وتأول قوم: أنه إنما قال ذلك، لأن الناس كانوا بعهده يخرجون البنات من أحباسهم، فحمل الأمر على المتعارف عندهم، ولم يلتفت إلى لفظ المحبس في قوله: ولدي وولد ولدي، وما يوجبه بحق عمومه.
وإن حملت الرواية على ظاهرها - في أن ولد البنات لا يدخلون فيها، كانوا بنات المحبس، أو بنات أبنائه، مع نص المحبس على أنه حبس على ولده وولد ولده - فلها وجهان:
أحدهما: أو ولد البنات، وإن كانوا ولد ولده، فإنهم لا ينتسبون إليه، ولا يوارثونه، فحمل على المحبس أنه أراد من ولد ولده من ينسب إليه منهم، ويوارثه، دون من لا ينتسب إليه منهم، ولا يوارثه؛ لأن الميراث والنسب هو المعنى الذي يراد الولد له، ويرغب فيه من أجله؛ قال الله عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 5 - 6]، وكان لفظ ولد الولد لا يقع عنده بإطلاقه إلا على من يرجع نسبه إليه.
والثاني: أن ولد الابنة، وإن كان ولد ولده، فإنه لا يعلم ذلك إلا الخاص من الناس، وأكثرهم يعتقدون: أن الولد لا يقع إلا على الذكر دون الأنثى. وإذا سألت أحدهم هل له ولد، ولا ابن له ذكر؟ قال لك: ليس لي يولد، وإنما لي ابنة، فوجب أن يحمل لفظ المحبس على ما يعرف من مقاصد الناس بألفاظهم، وإن خالف ذلك موجب اللفظ في اللسان العربي، ألا ترى أن من حلف ألا يأكل لحما، أو بيضا، لا يحنث بأكل الحيتان، وبيضها، وإن كان ذلك لحما في اللسان.