فاذ تمهد هذا الاصل، ولم يصح فيه الخلاف، بانت بتمهده، صحة الجواب في المسألة المذكورة، لبنائه عليه، ورده اليه، وذلك أن المحبس لما حبس على بنيه، وقال في تحبيسه: ثم على أعقابهم من بعدهم احتمل أن يريد بذلك: ثم على أعقابهم من بعد انقراض جميعهم وأن يريد به: ثم على أعقاب من انقرض منهم؛ إلى أن ينقرض جميعهم، لاحتمال اللفظ للوجهين جميعا، احتمالا واحدا، وصلاحه لهما، وكذلك كل ما كان على صيغته من الألفاظ عطف جمع على جمع بحرف ثم يجوز أن يعبر فيه عن كل واحد من الوجهين؛ ألا ترى أنك تقول: ولد لفلان عشرة أولاد، ثم ماتوا بعد أن ولدوا، فتكون صادقا في قولك، وان كان كلما ولد واحد منهم، مات قبل أن يولد الآخر. وتقول: اشترى فلان عشر دور فبناها، ثم باعها بعد أن بناها، فتكون صادقا في قولك، وان كان كلما اشترى دارا منها، فبناها، باعها، قبل أن يشترى الأخرى.
وكفي من الدليل على هذا قول الله عز وجل: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا
فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم اليه ترجعون} [سورة البقرة الآية: 28]
: أنه أمات كل واحد منهم، بعد أن أحياه قبل أن يحيي بقيتهم، وأنه أراد بقوله: ثم يحييكم: أنه لم يحي منهم أحداأمات جميعهم والصيغة في اللفظين واحدة.
فلولا أن كل واحدة منهما محتملة للوجهين، لما صح أن يريد [146] بالواحدة غير مراده بالأخرى، وهذا أبين أن يخفى.