الصحابة رضي الله عنهم، اختلفوا في أشياء كثيرة، كتوريث الجد، والعول في الفرائض، وديات الأسنان، واحتج كل واحد على صاحبه لمذهبه بالقياس، وشاع ذلك بينهم، وذاع من غير نكير، ولو كان منكرزا لتسارعوا إلى إنكاره، على ما وصفهم الله به في كتابه، حيث يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110].
ولو لم يوجد في ذلك إلا حديث عمر، رضي الله عنه، في أمر الوباء، لصَحَّ به الإجماع، ووجب له الانقياد والاتباع، حيث خرج إلى الشام بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان بِسَرْغٍ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا عليه، فمنهم من قال له: أرى ألا تفرَّ من قدر الله، ومنهم من قال له، لا تقدم ببقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على هذا الوباء ثم دعا الأنصار فاختلفوا كاختلاف المهاجرين قبلهم، ثم دعا من حضر من مشيخه قريش من مهاجرة الفتح، فلم يختلفوا عليه، وأمروه بالرجوع، ولم يكن منهم أحد ذكر في ذلك آية من كتاب الله، ولا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أشار كل واحد منهم عليه برأيه، وما أداه إليه اجتهاده، ولم ينكر عليه أحد فعله، فقال عمر: إني مُصْبِحٌ على ظهر، فأَصْبِحُوا عليه، فقال أبو عبيدة الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!. نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله: أرأيت لو كان لك إبل في واد عَدْوَتَانِ، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت