وإذا كان أمير المسلمين أدام الله تأييده وتوفيقه، قد صرف الحكم بين هَذَيْن الرجلين إليك، وأوقفه آخرا عليك، وكان من مذهبك القضاء باليمين مع الشاهد، على مذهب مالك لما جاء في ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم.

فحكمك للطالب بشهادة الشاهد المختفي، الذي خاطبك القاضي أبو سعيد بقبوله له، لعدالته عنده، مع يمينه، هو الصواب إن شاء الله عز وجل، لأن الصحيح من الأقوال المشهورة في المذهب إجازة شهادة الشاهد المختفي.

فأنفذ ذلك من حكمك، وأمضه من قضائك ونظرك، ولا تتوقفعنه من أجل ما حكم به القاضي أبو سعيد من إبطال شهادته، بفتوى من أفتاه بذلك، إذ ليس حكمه بإبطال شهادته حكما منه بإبطال الحق عن المطلوب، فيكون حكمه للطالب بيمينه مع شهادته ردا لحكم تقدم باجتهاد.

وإذا لم تبطل شهادته بجرحة ثبتت عليه عنده، بعدما خاطبك به من عدالته، وإنما أبطلها بمذهبه أنها لا تجوز، فلا يمنعك ذلك من إجازتها، والحكم بها، وإذ لا يلزم اتباعه على مذهبه في ذلك، ومذهب من أفتاه به مع مخالفة من خالفهم من جملة العلماء المتقدمين والمتأخرين، وإنما يلزمه هو ذلك في خاصة نفسه، لو كان هو الحكم في القضية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015