والأقوال، كما تناول الجواهر والأجسام فصح بذلك أيضا، الدليل لأهل السنة على أهل الاعتزال.
وأما الوجه الثاني، وهو أن يكون " خلقناه " صفة " لشيء "، و " بقدر " خبر للمبتدأ، فيبطل فيه العموم؛ لأن الوصف للجملة يخرج منها ما ليس على تلك الصفة، ألا ترى أن الرجل إذا قال: " كل عبد لي حر " فجميع عبيده أحرار؛ لأنه قد عمَّهم بالحرية، وإذا قال: " كل عَبْدٍ لي، أذنت له في التجارة، فهو حر "، فلم يعمهم بالحرية، لأنه قد أخرج منهم عن الحرية من ليس بمأذون له في التجارة، فكذلك إذا جعل " خلقناه " صفة " لشيء "، لم تكن الآية عامة في خلق كل شيء بقدر؛ لأنه قد أخرج منها ما لم يخلقه، فأهل السنة يقولون: إن الذي لم يخلقه منها هو نفسه، وصفاته، وأهل الاعتزال يقولون: إن الذي لم يخلقه منها هو نفسه وأفعال العباد، فلا دليل لواحد منهم على ما يدعيه، وهذا بين.
ألا ترى أن الذي قال: " كل عبد لي أذنت له في التجارة، فهو حر "، لو ادعى عبد من عبيد هـ أنه أذلن له في التجارة، ليستوجب بذلك الحرية، وأنكره سيده أن يكون أذن له في التجارة، ليستديم عبديته، لم يكن في قول السيد " كل عبد لي، أذنت له في التجارة، فهو حر " ما يدل على أنه أذن له في التجارة على ما قال العبد، ولا على أنه لم يأذن له فيها، على ما قال السيد، ولوجب أن يرجع في ذلك إلى سائر أدلة الشرع من بينة، أو إقرار، واستصحاب حال، فكذلك مسألتنا إذا لم يكن في الآية دليل على هذه القراءة والتأويل، رجعتها