ومن المعلوم أن من أهداف التأليف استمالة القلوب إلى الإسلام أو تثبيتها عليه، أو كسب أنصار له، أو كف شر عن دعوته ودولته، فهو بهذا المعنى يحقق مصلحة عامة للمسلمين، ولا تهدر هذه المصلحة لأن من القواعد المقررة أنه متى وجدت المصلحة فثم شرع الله، وما كان كذلك فإن حكمه باق متى دعت الحاجة إليه.
قال ابن هبيرة: "اختلف العلماء في المؤلفة قلوبهم، هل بقي الآن لهم حكم؟ "
فقال أحمد: "حكمهم باق لم ينسخ، ومتى وجد الإمام قوماً من المشركين فخاف الضرر بهم، وعلم أن في إسلامهم مصلحة، وجاز أن يتألفهم من مال الزكاة".
وعنه رواية أخرى أن حكمهم منسوخ1". إهـ.
وقال ابن قدامة: "وأحكام الأصناف الثمانية المنصوص عليهم في آية براءة2،كلها باقية، وبهذا قال الحسن والزهري، وأبو جعفر3 محمد بن عليّ4".
وقال علاء الدين المرداوي: "الصحيح من المذهب أن حكم المؤلفة باق وعليه الأصحاب، وهو من المفردات5".
وقال أبو عبيد: "الآية محكمة، لا نعلم لها ناسخا من كتاب ولا سنة، فإذا كان قوم هذه حالهم، لا رغبة لهم في الإسلام، لما عندهم من العز والأنفة فرأى الإمام أن يرضخ لهم من الصدقة، فعل ذلك لخلال ثلاث:
إحداهن: "الأخذ بالكتاب والسنة".
والثانية: "البقيا على المسلمين".
والثالثة: "أنه ليس بيائس منهم إن تمادى بهم الإسلام، أن يتفقهوه وتحسن فيه رغبتهم 6".إهـ.