للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير، لأنه عليه السلام كان نوراً كله في ظاهره وباطنه، فمن التمس منه نوراً وجده على أي وجه التمسه بخلاف غيره من الأمة - وإن حصل له من نور الاقتداء به والاهتداء بهديه ما شاء الله - لا يبلغ مبلغه على حال توازيه في مرتبته ولا تقاربه، فصار هذا النوع مختصاً به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع، وإحلال بضع الواهبة نفسها له، وعدم وجوب القسم على الزوجات وشبه ذلك، فعلى هذا المأخذ: لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء في الزيادة على الأربع نسوة بدعة.

الثاني: أن لا يعتقدوا الاختصاص ولكنهم تركوا ذلك من باب سد الذرائع خوفاً من أن يجعل ذلك سنة - كما تقدم ذكره في اتباع الآثار - 1 والنهي عن ذلك، أو لأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد بل تتجاوز فيه الحدود، وتبالغ بجهلها في التماس البركة، حتى يداخلها للمتبرك به تعظيم يخرج به عن الحد، فربما اعتقد في المتبرك به ما ليس فيه، وهذا التبرك هو أصل العبادة، ولأجله قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو كان أصل عبادة الأوثان في الأمم الخالية - حسبما ذكر أهل السير - فخاف عمر أن يتمادى الحال في الصلاة إلى تلك الشجرة، حتى تعبد من دون الله، فكذلك يتفق عند التوغل في التعظيم ...

إلى أن قال: وقد يظهر بأول وهلة أن هذا الوجه الثاني أرجح لما ثبت في الأصول العلمية أن كل قربة أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم فإن لأمته أنموذجاً منها ما لم يدل دليل على الاختصاص.

إلا أن الوجه الأول أيضاً راجح من جهة أخرى، وهو إطباقهم على الترك إذ لو كان اعتقادهم التشريع لعمل به بعضهم بعده أو عملوا به ولو في بعض الأحوال، إما وقوفاً مع أصل المشروعية، وإما بناء على اعتقاد انتفاء العلة الموجبة للامتناع.

وقد أخرج ابن وهب في جامعه من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: حدثني رجل2 من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أو تنخم ابتدر من حوله من المسلمين وضوءه ونخامته فشربوه ومسحوا به جلودهم، فلما رآهم يصنعون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015