وبما أن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه على وجه الخصوص بتلك المثابة من الأهمية - بحيث لا تستقيم متابعته في طريق الدعوة إلا من خلالها - فلا بد من معرفتها، وترسم خطاها فيها لكن هناك خطوة أولى لا يأمن العثار إلا بسلوكها، وهي تمييز ما صح من سيرته صلى الله عليه وسلم عن غيره، لأن كتب المغازي المتداولة بأيدينا لم يلتزم أصحابها الصحة فيها، بل يوردون المقبول وغيره، وعذر المتقدمين أنهم يكتفون بذكر السند، إلا أنهم لا يفعلون ذلك دائماً، أما المتأخرون فإنهم لا يذكرون سنداً للروايات فضلاً عن تمييز صحيحها من غيره.
نعم قام بعض المحدثين أخيراً بتخريج المرويات في بعض كتب السيرة، وبيان درجتها إلا أن تلك الكتب لم تستوعب مرويات المغازي.
وكذلك وردت كثير من مرويات المغازي في بطون كتب السنة، وقد تفردت ببعضها عن كتب المغازي، لكن أغلبها لم يشترط أصحابها الاقتصار فيها على الصحيح، وما اشترط فيه ذلك لم يرد فيه إلا القليل من مرويات المغازي بالنسبة لما فاته، إلا أن كتب السنة تمتاز بالتزام السند.
وهذا كله يحتم العمل على جمع مرويات المغازي من كتب السنة بالدرجة الأولى، لأنها المصدر الثاني من مصادر السيرة النبوية1 بعد القرآن الكريم، ثم من كتب المغازي وغيرها من مصادر السيرة2، ثم القياد بعد ذلك بدراسة أسانيدها دراسة فاحصة لبيان ما يصح العمل به من غيره لتبرز سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك صافية نقية لمرتاديها.
وهذا ما حملني على اختيار مرويات غزوة الحديبية موضوعاً لبحثي في مرحلة الماجستير.
وقد يسبق هذا السبب في اختياري للموضوع سبب آخر وهو شدة ولوعي بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تفردت به من صفات عظيمة كالواقعية، والجدية، والوضوح، فهي بعيدة كل البعد عن الخيالات، والهزل، والغموض والطلاسم.