وأهم جوانب سيرته صلى الله عليه وسلم هي مغازيه؛ لأنها استغرقت قسطاً كبيراً من حياته في مجال الدعوة وهي التطبيق العملي لأحكام الجهاد - الذي يشكل السياج المنيع لحماية هذا الدين كما أنه من أهم وسائل الدعوة إليه، ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ذروة سنام الإسلام - 1 كما حفلت المغازي بكثير من أساليب الدعوة والأحكام.
وقد أدرك السلف رضوان الله عليهم أهمية مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولوها جانباً عظيماً من عنايتهم، يدل لذلك ما روى الخطيب عن محمد بن عبد الله قال: سمعت عمي الزهري يقول: في علم المغازي علم الآخرة والدنيا2.
وما روي عن إسماعيل بن محمد بن سعد (بن أبي وقاص) أنه قال: "كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ويعدها علينا ويقول: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها"3.
وما روي عن علي بن الحسين أنه كان يقول: "كنا نعلَّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن"4.
وتتمثل عنايتهم بها أيضاً في تدوينهم لها في زمن مبكر، فقد قام بذلك جماعة من التابعين، منهم عروة بن الزبير المتوفى سنة (94هـ) ، وأبان بن عثمان بن عفان المتوفى ما بين (101 - 105هـ) ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري المتوفى (124هـ) ، وشرحبيل بن سعد المتوفى (124هـ) ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم (135هـ) ، وموسى بن عقبة (141هـ) ، وغيرهم إلا أن كتب هؤلاء في حكم المفقود اليوم سوى نقولات عنها.
ثم تلت هؤلاء طبقة أخرى دونت المغازي بنطاق أوسع أمثال: محمد بن إسحاق (151هـ) ، ومحمد بن عمر الواقدي (207هـ) ، ومحمد بن سعد (230هـ) ، وابن جرير الطبري (310هـ) ، وغيرهم5.
ثم تتابع التأليف في ذلك إلا أن المتأخرين درجوا على الاختصار بحذف الأسانيد.