إن المنهج النقدي الإسلامي كما أشرت من قبل استخدم مع الأحاديث والآثار المرفوعة والموقوفة على الصحابة، ولم يستعمل إلا نادراً في نطاق الرواية التأريخية والأدبية، حيث لم يكن المؤرخون في القرون الأولى الإسلامية ينقدون "الخبر التأريخي"بل كانوا يقومون بالجمع الشامل والانتقاء، ولا ريب أن الانتقاء (الانتخاب) يدخل ضمن الأعمال النقدية بالجملة، ولكن ذلك يتوقف على مدى دقة مقاييس المنتخب وشروطه في كتابه. ومن هنا فلا يمكن القول أن (تاريخ الطبري) خال من أي عمل نقدي ما دام الطبري قد انتخب مادته من المكتبة التأريخية التي وقف عليها في عصره. ولكن من جهة ثانية لا يمكن عدُّ الطبري قد قام بعمل نقدي للأسانيد والمتون مثل عمل البخاري ومسلم في صحيحيهما؛ لأنه لم يشترط الصحة في كتابه، بل لم يشأ أن يتحمل مسؤولية الأخبار التي صرح بأن العهدة فيها على "الراوي" وليس عليه.