الأحداث والأشخاص المباشرين للفعل التاريخي ما دامت الأسانيد ترقى إلى شهود العيان. فكان شاهد العيان هو المؤرخ الحقيقي، وعندئذ يبني شهادته على الملاحظة المباشرة إذ ليس بينه وبين الوقائع أية وسائط. ولكن تبقى مهمة الباحث في أن يتأكد من صدق شاهد العيان وصدق المخبرين عنه، وصدق صاحب الكتاب أو مدون الوثيقة. وهذا ينطبق على المؤلفات المتأخرة التي اعتمدت على مصادر أقدم مفقودة، فإن المؤلفات المتأخرة هي مصادر بديلة عن المتقدمة، ولا تعدُّ بعيدة عن الأحداث، لأن الاعتماد على المصادر المتقدمة في تناول الحدث أو الخبر.
وهكذا فإن (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي عندما يتناول خبراً يتعلق بالخليفة العباسي الراضي بواسطة إسناده إلى أبي بكر الصولي لا يعدُّ متأخراً، لأن الصولي عاصر وعاشر الخليفة الراضي فهو شاهد عيان ولكن يبقى التفتيش عن صحة سند الخطيب إلى الصولي، وهو سند نسخة كتاب "الأوراق" للصولي، التي تملّك الخطيب حق روايتها.
وفي الكتب المشهورة المتداولة يتساهل النقّاد في السؤال عن طرق تحمل الكتاب أو سنده، لصعوبة تزييف نسخة محرّفة من الكتاب المشهور المتداول بين أهل العلم، إذ سرعان ما يكشف الزيف وتسقط النسخة.
والحق أن التأكيد في منهج التأليف الإسلامي ليس على اسم الكتاب الذي يتم النقل منه بل على مؤلفه، لذلك كثيراً ما يهمل المصنّف ذكر اسم الكتاب ويقتصر على ذكر اسم المؤلف ضمن سلسلة الإسناد دون أن يشير إلى أنه مؤلف كتاب. وهكذا تتولّد صعوبة معرفة اسم المؤلف عندما يرد في سلسلة السند ذكر عدد من المؤلفين، كما يكون من الصعب تحديد اسم