ثالثاً: الاهتمام بشهود العيان وكثرتهم

لقد وجّه المحدثون نقدهم إلى الإسناد أولاً ثم إلى المتن، وبذلك اختصروا الجهد عندما لا يصمد السند أمام النقد فلا حاجة عندئذ للاستمرار في نقد المتن. والحق أن النقد للمتن وفق المعايير العقلية خاصةً لا يعد سبيلاً قويماً ووحيداً لنقد الأحاديث التي لا يستحيل عادةً صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فإن السند يسقطها. على أن وضع الضوابط العقلية لنقد المتن كان يواكب ضوابط نقد السند، لأن صحة السند وحدها لا يعدّها النقاد كافية لتصحيح الحديث.

إن العناية بالإسناد تهدف إلى الوصول إلى شاهد عيان صادق بواسطة سلسلة من الشهود الصادقين الضابطين. ومن هنا كان تعريف الحديث الصحيح: هو ما وصل إلينا بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط من أوله إلى منتهاه، من غير شذوذ ولا علة. وانتقد الخبر إذا سقط منه شاهد العيان وصار مرسلاً ضعيفاً يحتاج إلى تعدد طرقه "مخارجه" إذا أريد الأخذ به. وموضوع تعدد المخارج يتسم بالدقة، وليس المقصود أن تنتهي سلاسل الأسانيد إلى سلسلة واحدة، بل لابد أن يستقل بعضها عن بعض حتى نهاية السند أو أعلاه (الصحابي أو التابعي أو تابع التابعي) .

إن تعدد المخارج وحده هو الذي يمنع من إهمال الخبر وعدم الاعتداد به عند سقوط اسم شاهد العيان منه.

وهكذا فإن الأخبار التي تضمها وثيقة أو كتاب متأخر لا تُعدُّ بعيدة عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015