والسموم وَسَائِر المضرات جَامِعَة لجَمِيع الحظوظ الْمَطْلُوبَة الَّتِي يمِيل إِلَيْهَا الراغبون وَغير ذَلِك من صِفَات الْجنَّة الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى فِي مدحها وخطاب أَهلهَا فِي كِتَابه الْمكنون {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين وَأَنْتُم فِيهَا خَالدُونَ} وَلم يهتد إِلَى معرفَة المحاسن الْبَاطِنَة من لطافة الْمعَانِي وغرابة الحكم الْبَالِغَة
وَمن ذَلِك بِعَيْنِه أَن شين الدُّنْيَا سَبَب لزين الْآخِرَة وبغض الدُّنْيَا وتعبها وكدرها زِيَادَة فِي كَمَال الْجنَّة وَنَعِيمهَا وسرورها بل نَار الْآخِرَة وعذابها وَهُوَ أَنَّهَا زِيَادَة فِي نعيم الْجنَّة وعزها وَمَعْرِفَة قدرهَا وشرفها وعَلى الْجُمْلَة لَوْلَا الْبلَاء مَا عرف قدر الْعَافِيَة وَلَوْلَا الْعَذَاب مَا عرف قدر النَّعيم وَلَوْلَا النَّار مَا عرف قدر الْجنَّة
قلت وَلما وضعت هَذَا الْكَلَام خطر لي إنْشَاء نظم أَبْيَات لم يسْبق إِلَيْهَا النظام فَمَا استتم هَذَا الْكَلَام حَتَّى جال بفكري أَبْيَات فِي هَذَا الْمَعْنى الْمَذْكُور سبقني إِلَيْهَا الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه الْفَقِيه الإِمَام أَبُو سُلَيْمَان دَاوُد الشاذلي الْمَشْهُور فأكتفيت بهَا لكَونهَا وافية بِهَذَا الْمَعْنى الَّذِي أَنا لَهُ قَاصد حَيْثُ قَالَ رَضِي الله عَنهُ فِي بعض القصائد
(أيا نفس للمعنى الْأَجَل تطلبي ... وكفي عَن الدَّار الَّتِي قد تقضت)
(فكم أبعدت إلفا وَكم كدرت صفا ... وَكم جددت من ترحة بعد فرحة)
(كَذَا وضعت كَيْمَا تعدِي إِلَى الْعلَا ... فتكدريها من سر لطف وَحِكْمَة)
(فَلَو جعلت صفوا شغلت بحبها ... وَلم يَك فرق بَين دنيا وجنة)
(لعمرك مَا الدُّنْيَا بدار أخي حجى ... فيلهو بهَا عَن دَار فوز وَعزة)
(عَن الموطن الأسنا عَن الْقرب اللقا ... عَن الْعَيْش كل الْعَيْش عِنْد الْأَحِبَّة)
(فوَاللَّه لَوْلَا ظلمَة الذَّنب لم يطْلب ... لَك الْعَيْش يَوْمًا دون مي وَعزة)
قلت وَقد بَعدنَا فِي الْخُرُوج عَن الْمَقْصُود وَهَا نَحن إِلَى مَا كُنَّا بصدده من الِاسْتِدْلَال نعود