دُونَ الِاسْتِقَامَةِ فِي السَّيْرِ فِي اللَّهِ الْمَأْمُورِ بِهَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112] ؛ لِأَنَّ تِلْكَ فِي مَقَامِ جَمْعِ الْجَمْعِ، وَالْبَقَاءِ بَعْدَ الْفَنَاءِ، وَالْأُولَى لِلْمُرِيدِينَ، وَالثَّانِيَةُ لِلْمُتَوَسِّطِينَ. وَاسْتِقَامَةُ الرُّوحِ وَهِيَ الثَّبَاتُ عَلَى الْحَقِّ وَالسِّرِّ، وَهِيَ الثَّبَاتُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: الِاسْتِقَامَةُ دَرَجَةٌ بِهَا كَمَالُ الْأُمُورِ وَتَمَامُهَا، وَبِوُجُودِهَا حُصُولُ الْخَيْرَاتِ وَنِظَامُهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِيمًا ضَاعَ سَعْيُهُ، وَخَابَ جَهْدُهُ، وَأَنْشَدَ:
إِذَا أَفْشَيْتَ سِرَّكَ ضِيقَ صَدْرٍ ... أَصَابَتْكَ الْمَلَامَةُ وَالنَّدَامَةُ
وَإِنْ أَخْلَصْتَ يَوْمًا فِي فِعَالٍ ... تَنَالُ جَزَاءَهُ بِالِاسْتِقَامَةِ
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا وُفِّقْتَ بِالتَّوْحِيدِ وَرُؤْيَةِ جَلَالِ قِدَمِهِ فَدُرْ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُ دَارَ، إِمَّا قَضَاءً وَإِمَّا رِضَاءً، وَلَا تَنْزِلْ عَنْ مَقَامِ الرِّضَا إِلَى فَتْرَةِ النَّفْسِ وَالْهَوَى، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لِعِزَّةِ الِاسْتِقَامَةِ وَالِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا فِي كُلِّ حَالَةٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلدُّعَاءَ بِالِاسْتِقَامَةِ أَمْرَ وُجُوبٍ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِقَامَةَ الشَّامِلَةُ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ثُمَّ قَالَ: (هَذَا) » . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَزَادَ فِي الْإِحْيَاءِ: «قُلْتُ: مَا أَتَّقِي؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى لِسَانِهِ» .