أَيْ صُبَرًا وَبَيَادِرَ (ثُمَّ دَعَوْتُهُ) ، أَيْ طَلَبْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: لَجُّوا فِي مُطَالَبَتِي، وَأَلَحُّوا كَأَنَّ دَوَاعِيَهُمْ حَمَلَتْهُمْ عَلَى الْإِغْرَاءِ بِي مِنْ أَغْرَيْتُ الْكَلْبَ أَيْ: هَيَّجْتُهُ، وَالْمَعْنَى أَغْلَظُوا عَلَيَّ، فَكَأَنَّهُمْ هُيِّجُوا بِي، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ غَرَّى بِالشَّيْءِ إِذَا وَلِعَ بِهِ، وَالِاسْمُ الْغَرَّاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، فَمَعْنَى أُغْرُوا بِي أَلْصَقُوا بِي (تِلْكَ السَّاعَةَ) ، أَيْ: ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُمْ بِالْمُسَامَحَةِ أَوْ بِحَطِّ بَعْضِ الدَّيْنِ أَوْ بِالصَّبْرِ، فَأَظْهَرُوا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ طَافَ) ، أَيْ: دَارَ (حَوْلَ أَعْظَمِ) ، أَيْ: أَكْبَرِ تِلْكَ الْبَيَادِرِ (بَيْدَرًا) : التَّمْيِيزُ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا} [الحاقة: 32] (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) . ظَرْفُ طَافَ (ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى أَعْظَمِهَا (ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ) ، أَيْ أَصْحَابَ دَيْنِكَ (فَحَضَرُوا فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي) ، أَيْ: قَضَى عَنْهُ (أَمَانَتَهُ) ، أَيْ دَيْنَهُ، وَسُمِّيَ أَمَانَةً لِأَنَّهُ ائْتُمِنَ عَلَى أَدَائِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: 27] أَيْ مَا ائْتَمَنْتُكُمْ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْتُورِبِشْتِيُّ. (وَأَنَا أَرْضَى) ، أَيْ: كُنْتُ أَرْضَى حِينَئِذٍ (أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي) : وَلَا أَرْجِعَ - بِالنَّصْبِ. وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً أَيْ: وَلَا أَنْقَلِبُ (إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا) . أَيْ جَعَلَهَا سَالِمَةً عَنِ النُّقْصَانِ ذَكَرَهُ شَارِحٌ، أَوْ خَلَّصَهَا عَنْ أَيْدِي الْغُرَمَاءِ بِبَرَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَحَتَّى أَنِّي) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَجُوِّزَ كَسْرُهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: حَتَّى هِيَ الدَّاخِلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا، وَهِيَ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ جُمِعَ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ: فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا ثُمَّ فَصَّلَهَا بِقَوْلِهِ: حَتَّى كَذَا وَحَتَّى كَذَا اهـ. وَمُجْمَلُهُ: أَنَّهَا عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا حَتَّى لَمْ يَنْقُصْ مِنْ تِلْكَ الْبَيَادِرِ الَّتِي لَمْ يَكِلْهَا شَيْءٌ أَصْلًا. وَحَتَّى أَنِّي (أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: جَالِسًا (كَأَنَّهَا) ، أَيِ: الْقِصَّةُ أَوِ الْبَيْدَرُ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الصُّبْرَةِ (لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةٌ) : بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ النَّقْصَ لَازِمٌ أَيْ: لَمْ يَنْتَقِصْ تَمْرَةٌ مِنْهَا. وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا تَمْيِيزٌ أَوْ مَفْعُولٌ، وَالْإِسْنَادُ إِلَى الصُّبْرَةِ مَجَازِيٌّ، وَقَوْلُهُ: (وَاحِدَةٌ) : لِلتَّأْكِيدِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَكَذَا النَّسَائِيُّ.