الْوَادِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَحْفُورَةٌ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ نَهْرٌ فِي بَطْنِهَا يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: كَارِيزْ، وَسُمِّيَ بِهَا لِطُولِهَا الْمُشَبَّهِ بِالْقَنَاةِ، وَهِيَ الرُّمْحُ، وَقِيلَ هُوَ بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ سَالَ مِثْلَ قَنَاةٍ. قِيلَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَتَّى سَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا، وَصُحِّحَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ. كَلَامُهُ نَاقِلًا عَنِ الْعَسْقَلَانِيِّ.
وَقَالَ شَارِحٌ: قَنَاةُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ سَالَ أَيْ: سَالَ الْوَادِي سَائِلًا مِثْلَ الْقَنَاةِ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْقَنَاةِ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الْجَرْيِ حَسُنَ أَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنَ الْوَادِي، وَيَجُوزَ فِيهِ الْمَصْدَرُ أَيْ سَيَلَانُ الْقَنَاةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوِ الْمَصْدَرِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ أَيْ: مِثْلَ الْقَنَاةِ، أَوْ سَيَلَانِ الْقَنَاةِ فِي الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَالْقُوَّةِ وَالْمِقْدَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: قَنَاةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ الْمُخَفَّفَةِ عَلَمٌ عَلَى أَرْضٍ ذَاتِ مَزَارِعَ نَاحِيَةَ أُحُدٍ، وَوَادِيهَا أَحَدُ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ الْمَشْهُورَةِ قَالَهُ الْحَازِمِيُّ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَمَّاهُ وَادِي قَنَاةَ تُبَّعٌ الْيَمَانِيُّ، لَمَّا قَدِمَ يَثْرِبَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ الْفُقَهَاءُ يَقُولُونَهُ بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ يَتَوَهَّمُونَهُ قَنَاةً مِنَ الْقَنَوَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَقَالَ: الْمَعْنَى عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ: سَالَ مِثْلُ الْقَنَاةِ، وَعِبَارَةُ الْبُخَارِيِّ: حَتَّى سَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قَنَاةُ عَلَمُ مَوْضِعٍ. قِيلَ: إِنَّهُ الْوَادِي الَّذِي عِنْدَهُ قَبْرُ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَأْتِي مِنَ الطَّائِفِ. وَقِيلَ: نُصِبَ قَنَاةُ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَيْ: مِقْدَارَ قَنَاةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ قَنَاةٍ بِالرُّمْحِ أَوْلَى مِنْهُ بِحُفْرَةٍ فِي الْأَرْضِ ; لِأَنَّهُ قَلَّمَا بَلَغَ الْقَنَاةُ فِي كَثْرَةِ مِيَاهِهَا مَبْلَغَ السُّيُولِ، وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي النُّهَى. (وَلِمَ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَتِهِ) ، أَيْ: مِنْ جَوَانِبِ الْمَدِينَةِ (إِلَّا حَدَّثَ) ، أَيْ: أَخْبَرَ (بِالْجَوْدِ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيِ الْمَطَرِ الْكَثِيرِ.
(وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ) : بِالْمَدِّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ الْأَكَمَةِ، وَهِيَ التَّلُّ وَالرَّابِيَةُ، وَقِيلَ الْأَكَمَةُ يُجْمَعُ عَلَى أَكَمٍ، وَيُجْمَعُ الْأَكَمُ عَلَى آكَامٍ كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ، وَيُجْمَعُ الْآكَامُ عَلَى أُكُمٍ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَيُجْمَعُ الْأُكُمُ عَلَى آكَامٍ كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَمْدُودَةً وَكَسْرِهَا مَقْصُورَةً جَمْعُ أَكَمَةٍ مُحَرَّكَةً، وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ. (وَالظِّرَابِ) : بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ: الْجِبَالِ الصِّغَارِ (وَبُطُونِ الْأَدْوِيَةِ) ، أَيِ: الْخَالِيَةِ عَنِ الْأَبْنِيَةِ (وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ) ، أَيِ: الْمُنْتِجِ لِلثَّمَرِ (قَالَ) ، أَيْ: أَنَسٌ (فَأَقْلَعَتْ) ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: كَفَّتِ السَّحَابُ عَنِ الْمَطَرِ، وَقِيلَ: انْكَشَفَتْ، وَالتَّأْنِيثُ لِأَنَّهُ جَمْعُ سَحَابَةٍ يُقَالُ: أَقْلَعَ الْمَطَرُ انْقَطَعَ، وَفِي الْقَامُوسِ. أَقْلَعَتْ عَنْهُ الْحُمَّى تَرَكَتْهُ، وَالْإِقْلَاعُ عَنِ الْأَمْرِ الْكَفُّ، وَفِي الْمَشَارِقِ: أَقْلَعَ الْمَطَرُ كَفَّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود: 44] اهـ. وَتَبَيَّنَ أَنَّ صِيغَةَ الْمَفْعُولِ مِنْ رِوَايَةِ الْمَجْهُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ) . قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ عَنِ الْمَنَازِلِ، وَالْمَرَافِقِ إِذَا كَثُرَ وَتَضَرَّرُوا بِهِ، وَلَكِنْ لَا يُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا اجْتِمَاعٌ فِي الصَّحْرَاءِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .