(فَادْعُ اللَّهَ لَنَا) . أَيْ: مُتَضَرِّعًا إِلَيْهِ (فَرَفَعَ يَدَيْهِ) ، أَيْ: بِالسُّؤَالِ لَدَيْهِ (وَمَا نَرَى) ، أَيْ: نَحْنُ (فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً) ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ أَيْ: قِطْعَةً مِنَ السَّحَابِ (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا) ، أَيْ: يَدَهُ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ إِرَادَةِ الْجِنْسِ (حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ) ، أَيْ: سَطَعَ وَظَهَرَ جِنْسُ السَّحَابِ ظُهُورًا كَامِلًا (أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ) : فِي النِّهَايَةِ، أَيْ يَنْزِلُ وَيَقْطُرُ، وَهُوَ يَتَفَاعَلُ مِنَ الْحُدُورِ ضِدِّ الصُّعُودِ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى اهـ. وَالْمَعْنَى حَتَّى يَتَسَاقَطَ الْمَطَرُ. (عَلَى لِحْيَتِهِ) : وَقِيلَ: يُرِيدُ أَنَّ السَّقْفَ قَدْ وَكَفَ حَتَّى نَزَلَ الْمَاءُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ (فَمُطِرْنَا) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ: جَاءَنَا الْمَطَرُ (يَوْمَنَا) ، أَيْ: بَقِيَّةَ يَوْمِنَا (ذَلِكَ) ، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ (وَمِنَ الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ) : يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَبْعِيضِيَّةً، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ لِقَوْلِهِ: (حَتَّى) ، أَيْ: إِلَى (الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ) : حَالٌ أَيْ: وَقَدْ قَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ بِعَيْنِهِ (أَوْ غَيْرُهُ) : مِنَ الْأَعْرَابِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى جَاءَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَهَذَا يَقْتَضِي الْجَمْعَ بِكَوْنِهِ وَاحِدًا، فَلَعَلَّ أَنَسًا ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ، أَوْ نَسِيَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي كَوْنِ الْقَائِمِ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ، لَكِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَارَةً أَنَّهُ هُوَ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْجَزْمِ، وَتَارَةً أَنَّهُ غَيْرُهُ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّنْكِيرِ، وَتَارَةً أَتَى بِصِيغَةِ الشَّكِّ لِاسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُ، فَالشَّكُّ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَقَالَ) ، أَيِ: الْقَائِمُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! تَهَدَّمَ) : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، أَيْ: خَرِبَ (الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: صَارَ غَرِيقًا (فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا) ، أَيْ: أَمْطِرْ حَوَالَيْنَا بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ: فِي مَوَاضِعِ الْمَنَافِعِ الْحَاصِلَةِ لَنَا ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ. (وَلَا عَلَيْنَا) ، أَيْ: لَا تُمْطِرْ فِي مَوَاضِعِ الْمَضَرَّةِ الْوَاقِعَةِ عَلَيْنَا. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ، أَيْ: أَنْزِلِ الْغَيْثَ فِي وَضْعِ النَّبَاتِ لَا عَلَى الْأَبْنِيَةِ يُقَالُ: قَعَدَ حَوْلَهُ وَحَوَالَهُ وَحَوْلَيْهِ وَحَوَالَيْهِ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَلَا يُقَالُ حَوَالِيهِ بِكَسْرِ اللَّامِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: (وَلَا عَلَيْنَا) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: (حَوَالَيْنَا) ثُمَّ فِي إِدْخَالِ الْوَاوِ هَاهُنَا مَعْنًى لَطِيفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ طَلَبَ الْمَطَرِ عَلَى حَوَالَيْنَا لَيْسَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ، بَلْ لِيَكُونَ وِقَايَةً عَنْ أَذَى الْمَطَرِ. قُلْتُ: الْوَاوُ خَالِصَةٌ لِلْعَطْفِ لَكِنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِمْ: تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا، فَإِنَّ الْجُوعَ لَيْسَ مَقْصُودًا بِعَيْنِهِ، لَكِنْ لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنَ الرِّضَاعِ بِأُجْرَةٍ إِذْ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ اهـ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: أُوثِرَ حَوَالَيْنَا لِمُرَاعَاةِ الِازْدِوَاجِ مَعَ قَوْلِهِ: عَلَيْنَا نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22] وَقَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَيْنَا) عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ (حَوَالَيْنَا) وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْوَاوُ لَكَانَ حَالًا أَيْ: أَمْطِرْ عَلَى الْمَزَارِعِ، وَلَا تُمْطِرْ عَلَى الْأَبْنِيَةِ، وَأُدْمِجَ فِي قَوْلِهِ: عَلَيْنَا مَعْنَى الْمَضَرَّةِ كَأَنَّهُ قِيلَ: اجْعَلْ لَنَا لَا عَلَيْنَا. (فَمَا يُشِيرُ) : حِكَايَةُ حَالٍ مَاضِيَةٍ (إِلَى نَاحِيَةٍ) ، أَيْ: جَانِبٍ مِنَ السَّحَابِ جَمْعِ سَحَابَةٍ (إِلَّا انْفَرَجَتْ) ، أَيِ: انْكَشَفَتْ وَتَفَرَّقَتْ (وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ) ، أَيْ: جَوُّهَا (مِثْلَ الْجَوْبَةِ) ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ الْفُرْجَةُ فِي السَّحَابِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَطَرَ أَوِ الْغَيْمَ انْكَشَفَ عَمَّا يُحَاذِينَا، وَأَحَاطَ بِمَا حَوْلَنَا بِحَيْثُ صَارَ جَوُّ الْمَدِينَةِ مِثْلَ الْجَوْبَةِ خَالِيًا عَنِ السَّحَابِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَهُوَ الْجَوُّ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ شَارِحٌ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْحُفْرَةِ الْمُسْتَدِيرَةِ الْوَاسِعَةِ، وَصَارَ الْغَيْمُ مُحِيطًا بِأَطْرَافِ الْمَدِينَةِ مُنْكَشِفًا عَنْهَا. (وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ) : بِالضَّمِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ لِلْوَادِي، وَهِيَ عَلَمٌ لَهُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَتْحِ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَفِي أُخْرَى بِتَنْوِينِهَا (شَهْرًا) ، ظَرْفُ سَالَ. قَالَ مِيرَكُ: أَعْرِبْ قَنَاةَ بِالضَّمِّ عَلَى الْبَدَلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَنَاةَ اسْمُ الْوَادِي، وَلَعَلَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ أَقُولُ: فَالْقَنَاةُ اسْمُ أَرْضٍ بِجَنْبِ.