5896 - وَعَنْهُ، قَالَ: «إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفِقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَلْءِ بَطْنِي، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا: (لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا) . فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرَهَا حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَالَتَهُ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5896 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: إِنَّكُمْ) أَيْ: مَعْشَرَ التَّابِعِينَ، وَقِيلَ الْخِطَابُ مَعَ الصَّحَابَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ (تَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ) ، أَيِ الرِّوَايَةِ (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ) أَيْ: مَوْعِدُنَا، فَيَظْهَرُ عِنْدَهُ صِدْقُ الصَّادِقِ وَكَذِبُ الْكَاذِبِ، لِأَنَّ الْأَسْرَارَ تَنْكَشِفُ هُنَالِكَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لِقَاءُ اللَّهِ الْمَوْعِدُ، وَيَعْنِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ يُحَاسِبُنِي عَلَى مَا أَزِيدُ وَأَنْقُصُ، لَا سِيَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ: ( «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ) . (وَإِنَّ إِخْوَتِي) أَيْ: إِخْوَانِي وَأَصْحَابِي (مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ وَأَمَّا الضَّمُّ وَالْكَسْرُ فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ أَيْ: يَمْنَعُهُمْ (الصَّفِقُ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ: ضَرْبُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ عِنْدَ الْبَيْعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْعُقُودِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ) أَيِ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي فِيهَا نَخِيلُهُمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا أَصْحَابَ تِجَارَاتٍ وَالْأَنْصَارَ أَصْحَابُ زِرَاعَاتٍ. (وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا) أَيْ: عَاجِزًا عَنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَأَسْبَابِ الزِّرَاعَةِ (أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: صُحْبَتَهُ وَخِدْمَتَهُ حَامِدًا (عَلَى مَلْءِ بَطْنِي) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ حَالٌ أَيْ أَلْزَمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَانِعًا بِمَا يَمْلَأُ بَطْنِي، فَعَدَّاهُ بِعَلَى مُبَالَغَةً، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فَإِنْ مَلَكْتَ كَفَافَ قُوتٍ فَكُنْ بِهِ ... قَنِيعًا فَإِنَّ الْمُتَّقِيَ اللَّهَ قَانِعُ

(وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا: لَنْ يَبْسُطَ) أَيْ: لَنْ يَفْرِشَ (أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ) أَيْ: أُفْرِغَ (مَقَالَتِي هَذِهِ) : كَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى دُعَاءٍ دَعَاهُ حِينَئِذٍ ذَكَرُهُ الطِّيبِيُّ، وَقِيلَ: كَانَتْ مَقَالَتُهُ دُعَاءَهُ لِلصَّحَابَةِ بِالْحِفْظِ وَالْفَهْمِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْكَلَامُ الَّذِي كَانَ شَرَعَ فِيهِ (ثُمَّ يَجْمَعَهُ) : بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ أَيْ: يَضُمُّ ثَوْبَهُ (إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي) أَيْ: مِنْ أَحَادِيثِي (شَيْئًا أَبَدًا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ جَوَابُ النَّفْيِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ، فَيَكُونُ عَدَمُ النِّسْيَانِ مُسَبَّبًا عَنِ الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا، وَأُوثِرَتْ (لَنْ) النَّافِيَةُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْمُحَالِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا إِشَارَةٌ إِلَى جِنْسِ الْمَقَالَاتِ كُلِّهَا. (فَبَسَطْتُ نَمِرَةً) : بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: شَمْلَةً مُخَطَّطَةً مَنْ مَآزِرِ الْأَعْرَابِ، وَجَمْعُهَا نِمَارٌ كَأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْ لَوْنِ النَّمِرِ لِمَا فِيهَا مِنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، (حَتَّى قَضَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَالَتَهُ) أَيْ: تِلْكَ (ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ) أَيْ: مِنْ جِنْسِ مَقَالَتِهِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَصْدَرَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، أَوْ ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا، وَهُوَ الْقَوْلُ وَالْكَلَامُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِشَارَةٌ إِلَى الْجِنْسِ، الْمَقَالَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ (إِلَى يَوْمِي هَذَا) . وَهُوَ وَقْتُ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015