(وَفِي رِوَايَةٍ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ: بَدَلَ أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ (أَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ) : اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْغَوْرِ أَيْ: غَارَتْ عَيْنَاهُ وَدَخَلَتَا فِي رَأْسِهِ (نَاتِئُ الْجَبْهَةِ) : بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ بَعْدَهَا هَمْزٌ أَيْ مُرْتَفِعُهَا (كَثُّ اللِّحْيَةِ) : بِفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ مُثَلَّثَةً أَيْ كَثِيفُهَا (مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ) أَيْ: عَالِي الْخَدَّيْنِ (مَحْلُوقُ الرَّأْسِ) أَيْ: لِادِّعَاءِ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَافَةِ وَالتَّأْكِيدِ فِي قَطْعِ التَّعَلُّقِ، وَهُوَ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِبْقَاءِ شَعْرِ رَأْسِهِ، وَعَدَمِ حَلْقِهِ إِلَّا بَعْدَ فَرَاغِ النُّسُكِ، غَيْرَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحْلِقُ كَثِيرًا لِمَا قَدَّمْنَا سَبَبَهُ وَوَجْهَهُ، (فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! اتَّقِ اللَّهَ) أَيْ: فِي قَسْمِكَ (فَقَالَ: فَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ) أَيْ: يَتَّقِيهِ مِنْ أُمَّتِي (إِذَا عَصَيْتُهُ) أَيْ: مَعَ عِصْمَتِي وَثُبُوتِ نُبُوَّتِي (فَيَأْمَنُنِي اللَّهُ) أَيْ: يَجْعَلُنِي أَمِينًا (عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِّي) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَيُخَفَّفُ، وَالْخِطَابُ عَلَى وَجْهِ الْعِتَابِ لِذِي الْخُوَيْصِرَةِ وَقَوْمِهِ (فَسَأَلَهُ رَجُلٌ) : وَهُوَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ (قَتْلَهُ) ، أَيْ تَجْوِيزَهُ (فَمَنَعَهُ) ، أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ (فَلَمَّا وَلَّى) أَيِ: الرَّجُلُ (قَالَ: إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا) : بِكَسْرِ مُعْجَمَتَيْنِ وَهَمْزَتَيْنِ يُبْدَلُ أَوَّلُهُمَا أَيْ: مِنْ أَصْلِهِ وَنَسَبِهِ وَعَقِبِهِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ الْتُورِبِشْتِيُّ: مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمْ يَتَوَلَّدُونَ مِنْهُ، فَقَدْ أَبْعَدَ، إِذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْخَوَارِجِ قَوْمٌ مِنْ نَسْلِ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ، ثُمَّ إِنَّ الزَّمَانَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلَ إِلَى أَنْ نَابَذَ الْمَارِقَةُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَارَبُوهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ مِنَ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ فِي النَّسَبِ، أَوْ مِنَ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ. (قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ) أَيْ: مَقْرُوءُهُمْ (حَنَاجِرَهُمْ) أَيْ: ظَوَاهِرَهُمْ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي بَوَاطِنِهِمْ (يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ) أَيْ: مِنْ كَمَالِهِ، أَوْ مِنِ انْقِيَادِ الْإِمَامِ. اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِجَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ هُنَا طَاعَةُ الْإِمَامِ (مُرُوقَ السَّهْمِ) أَيْ: كَخُرُوجِهِ سَرِيعًا (مِنَ الرَّمِيَّةِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ انْتِفَاعٍ بِهَا (فَيَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ) أَيْ: لِتَكْفِيرِهِمْ إِيَّاهُمْ بِسَبَبِ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ (وَيَدَعُونَ) : بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ: يَتْرُكُونَ (أَهْلَ الْأَوْثَانِ) ، أَيْ: أَهْلَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ (لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) . أَرَادَ بِقَتْلِ عَادٍ اسْتِئْصَالَهُمْ بِالْهَلَاكِ، فَإِنَّ عَادًا لَمْ تُقْتَلْ، وَإِنَّمَا أُهْلِكَتْ بِالرِّيحِ، وَاسْتُؤْصِلَتْ بِالْإِهْلَاكِ. قِيلَ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ وَتَظَاهُرِهِمْ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ مِنْ قَتْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ مَنْعَ قَتْلِهِ لَمْ يَكُنْ لِانْفِرَادِهِ، بَلْ لِسَبَبٍ آخَرَ بَيَانُهُ تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015