مِنْ نَعْتِهِمْ (أَنَّهُ يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ) ، أَيْ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً (مَعَ صَلَاتِهِمْ) أَيْ: فِي جَنْبِ صَلَاتِهِمُ الْمُزَيَّنَةِ الْمُحَسَّنَةِ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ) ، أَيْ فِي نَوَافِلِ أَيَّامِهِمْ. قَالَ شَارِحٌ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ وَأَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا النَّهْيُ عَلَى إِطْلَاقِهِ (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَيْ: يُدَاوِمُونَ عَلَى تِلَاوَتِهِ، وَيُبَالِغُونَ فِي تَجْوِيدِهِ، وَتَرْتِيلِهِ، وَمُرَاعَاةِ مَخَارِجِ حُرُوفِهِ وَصِفَاتِهِ (لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ) ، أَيْ: حَالَ كَوْنِهِمْ لَا يَتَجَاوَزُ مَقْرُوءُهُمْ عَنْ حُلُوقِهِمْ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ صُعُودِ عَمَلِهِمْ، وَنَفْيِ قَبُولِ قِرَاءَتِهِمْ. قَالَ شَارِحٌ: وَالتَّرَاقِي جَمْعُ تَرْقُوَةٍ، وَهِيَ الْعِظَامُ بَيْنَ نَقْرَةِ الْحَلْقِ وَالْعَاتِقِ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ أَلْسِنَتِهِمْ وَآذَانِهِمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ وَأَفْهَامِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْ: لَا تَتَجَاوَزُ قِرَاءَتُهُمْ عَنْ أَلْسِنَتِهِمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ، فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا، أَوْ لَا تَتَصَاعَدُ مِنْ مَخْرَجِ الْحُرُوفِ وَحَيِّزِ الصَّوْتِ إِلَى مَحَلِّ الْقَبُولِ وَالْإِنَابَةِ (يَمْرُقُونَ) : بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ: يَخْرُجُونَ (مِنَ الدِّينِ) أَيْ: مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَيَمُرُّونَ عَلَيْهِ سَرِيعًا مِنْ غَيْرِ حَظٍّ وَانْتِفَاعٍ بِهِ، (كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) ، بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَهِيَ الصَّيْدُ، وَيُقَالُ: مَرَقَ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، أَيْ: خُرُوجُ السَّهْمِ، وَمُرُورُهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَتَنَزُّهُهُ عَنِ التَّلَوُّثِ بِمَا يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ فَرْثٍ وَدَمٍ. قَالَ شَارِحٌ: شَبَّهَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالرَّمِيَّةِ لِاسْتِحْيَاشِهِمْ عَمَّا يَرْمُونَ بِهِ مِنَ الْقَوْلِ النَّافِعِ، ثُمَّ وَصَفَ الْمُشَبَّهَ بِهِ فِي سُرْعَةٍ تُخَلِّصُهُ وَتُنَزِّهُهُ عَنِ التَّلَوُّثِ بِمَا يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ فَرْثٍ وَدَمٍ لِيُبَيِّنَ الْمَعْنَى الْمَضْرُوبَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ) ، بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِلَى رُصَافِهِ) : بِضَمِّ الرَّاءِ وَيُكْسَرُ بَدَلٌ وَهُوَ عَصَبٌ يُلْوَى فَوْقَ مَدْخَلِ النَّصْلِ (إِلَى نَضِيِّهِ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ (وَهُوَ قِدْحُهُ) ، بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ مَا جَاوَزَ الرِّيشَ إِلَى النَّصْلِ مِنَ النِّضْوِ، لِأَنَّهُ بُرِيَ حَتَّى صَارَ نِضْوًا، فَهُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَهُوَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي تَفْسِيرٌ لِلنِّضِيِّ، ثُمَّ قَوْلُهُ: (إِلَى قُذَذِهِ) : مِنْ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَمْعُ قُذَّةٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ رِيشُ السَّهْمِ. قَالَ الْقَاضِي: أَخْرَجَ مُتَعَلِّقَاتِ الْفِعْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدَادِ لَا التَّنَسُّقِ (فَلَا يُوجَدُ فِيهِ) أَيْ: فِي السَّهْمِ، أَوْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ (شَيْءٌ) أَيْ: مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، وَالْحَالُ أَنَّ السَّهْمَ أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا (قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ) ، أَيْ مَرَّ عَلَيْهِمَا، وَالْمَعْنَى كَمَا نَفَذَ السَّهْمُ فِي الرَّمِيَّةِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الرَّوْثِ وَالدَّمِ، دُخُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خُرُوجُهُمْ مِنْهُ سَرِيعًا بِحَيْثُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِمْ، هَذَا وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّصْلِ الْقَلْبُ الَّذِي هُوَ الْمُؤَثِّرُ وَالْمُتَأَثِّرُ، فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى قِبَلِهِ، فَلَا تَجِدُ فِيهِ أَثَرًا مِمَّا شُرِعَ فِيهِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَبِالرُّصَافِ الصَّدْرُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الِانْشِرَاحِ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، فَلَمْ يُشْرَحْ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ السَّعَادَةِ، وَبِالنَّضِيِّ الْبَدَنُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْبَدَنَ وَإِنْ تَحَمَّلَ لِتَكَالِيفِ الشَّرْعِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ فَائِدَةٌ وَبِالْقُذَّةِ أَطْرَافُ الْبَدَنِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ لِأَهْلِ الصِّنَاعَاتِ أَيْ: لَنْ يَحْصُلَ لَهُ بِهَا مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ السَّعَادَاتِ، (آيَتُهُمْ) أَيْ: عَلَامَةُ أَصْحَابِهِ الْكَائِنَةُ فِيهِمُ الْكَامِنَةُ مِنْهُمْ (رَجُلٌ أَسْوَدُ) أَيْ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ قِطْعَةِ اللَّحْمِ وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ فِي التَّشْبِيهِ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (تَدَرْدَرُ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ: تَضْطَرِبُ وَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: تُحَرَّكُ وَتُزَحْزَحُ مَارًّا أَوْ جَائِيًا انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ فِعْلًا مَاضِيًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأُصُولُ الْمَضْبُوطَةُ (وَيَخْرُجُونَ) : عَطْفٌ عَلَى يَمْرُقُونَ (عَلَى خَيْرِ فِرْقَةٍ) . أَيْ فِي زَمَانِهِمْ (مِنَ النَّاسِ) : يُرِيدُ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ بِضَمِّ الْفَاءِ فَعَلَى بِمَعْنَى (فِي) أَيْ: يَظْهَرُونَ فِي حِينِ تَشَتُّتِ أَمْرِ النَّاسِ وَاضْطِرَابِ أَحْوَالِهِمْ وَظُهُورِ الْمُحَارَبَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ.

(قَالَ أَبُو سَعِيدٍ) أَيِ: الْخُدْرِيُّ رَاوِي الْحَدِيثِ (أَشْهَدُ) أَيْ: أَحْلِفُ (أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ) ، أَيْ: فَهُوَ وَمَنْ مَعَهُ خَيْرُ الْفِرْقَةِ (فَأَمَرَ) أَيْ: عَلِيٌّ (بِذَلِكَ الرَّجُلِ) أَيْ: بِطَلَبِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي آيَتُهُمْ وَعَلَامَتُهُمْ (فَالْتُمِسَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَطُلِبَ وَأُخِذَ (فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي نَعَتَهُ) . أَيْ سَابِقًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015