5877 - «وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا الْنَبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ. فَقَالَ: (أَنَا نَازِلٌ) . ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ. وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِعْوَلَ، فَضَرَبَ فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْصًا. شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَارَرْتُهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنْ جَابِرًا صَنَعَ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ) . وَجَاءَ، فَأَخْرَجْتُ لَهُ عَجِينًا. فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: (ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ، وَلَا تُنْزِلُوهَا) . وَهُمْ أَلْفٌ، فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ لَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5877 - (وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّا) أَيْ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَصْحَابِ (كُنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ) ، أَيِ: الْأَرْضَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْأَعْدَاءِ (فَعَرَضَتْ) أَيْ: ظَهَرَتْ فِي عَرْضِ الْأَرْضِ مُعَارِضًا لِمَقْصَدِنَا (كُدْيَةٌ) : بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ أَيْ: قِطْعَةٌ (شَدِيدَةٌ) ، أَيْ صُلْبَةٌ لَا يَعْمَلُ فِيهَا الْفَأْسُ (فَجَاءُوا الْنَبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ فَقَالَ: أَنَا نَازِلٌ) . أَيْ فِي الْخَنْدَقِ (ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ) أَيْ: مَرْبُوطٌ (بِحَجَرٍ) أَيْ: مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ (وَلَبِثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا) ، بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا، وَهُوَ فَعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ الذَّوْقِ يَقَعُ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَالِاسْمُ وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ لِبَيَانِ سَبَبِ رَبْطِ الْحَجَرِ، (فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِعْوَلَ) ، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ بِالْفَارِسِيِّ كَلْنَدْ قَالَهُ شَارِحٌ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْمِعْوَلُ كَمِنْبَرٍ الْحَدِيدَةُ يُنْقَرُ بِهَا الْجِبَالُ (فَضَرَبَ فَعَادَ) أَيِ: انْقَلَبَ الْحَجَرُ وَصَارَ (كَثِيبًا) أَيْ: رَمْلًا (أَهْيَلَ) ، أَيْ سَائِلًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14] قَالَ الْقَاضِي: وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكُدْيَةَ الَّتِي عَجَزُوا عَنْ رَضِّهَا صَارَتْ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتَلٌ مِنَ الرَّمْلِ مَصْبُوبٍ سَيَّالٍ، (فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي) أَيِ: انْقَلَبْتُ وَانْصَرَفْتُ إِلَى بَيْتِهَا (فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ) ؟ أَيْ مِنَ الْمَأْكُولِ (فَإِنِّي رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْصًا) : بِفَتْحَتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَسَكَتَ عَنْهُ الطِّيبِيُّ أَيْ: جُوعًا، وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْبَطْنَ يَضْمُرُ بِهِ، وَفِي الْمَشَارِقِ لِعِيَاضٍ: رَأَيْتُ بِهِ خَمَصًا بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ ضُمُورًا فِي بَطْنِهِ مِنَ الْجُوعِ، وَيُعَبَّرُ بِالْخَمْصِ عَنِ الْجُوعِ أَيْضًا. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ قَوْلُهُ: خَمَصَا بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ وَقَدْ يُسَكَّنُ وَمُهْمَلَةٍ اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015