5871 - وَعَنْهُ، قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاوَرَ حِينَ بَلَغَنَا إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا. قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ) وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، قَالَ: فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5871 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاوَرَ) أَيْ: أَهْلَ الْمَدِينَةِ لِلِامْتِحَانِ (حِينَ بَلَغَنَا إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ) ، أَيْ بِالْعِيرِ مِنَ الشَّامِ إِلَى مَكَّةَ (وَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) ، أَيْ: وَقَدْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ رَئِيسُ الْأَنْصَارِ وَقَالَ مَا قَالَ مِمَّا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا خُصَّ بِالْقِيَامِ، لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِشَارَةِ اخْتِبَارُ الْأَنْصَارِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ لِلْقِتَالِ وَطَلَبِ الْعَدُوِّ، وَإِنَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ قَصْدِهِ، فَلَمَّا عَرَضَ لَهُ الْخُرُوجُ لِعِيرِ أَبِي سُفْيَانَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَهُ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا. فَأَجَابُوا أَحْسَنَ جَوَابٍ بِالْمُوَافَقَةِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، وَفِي غَيْرِهَا، وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى اسْتِشَارَةِ الْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْخِبْرَةِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّامِ فِيهَا تِجَارَاتٌ عَظِيمَةٌ، وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ رَاكِبًا مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ، فَأَعْجَبَ الْمُسْلِمِينَ تَلَقِّي الْعِيرِ لِكَثْرَةِ الْخَيْرِ وَقِلَّةِ الْقَوْمِ، فَلَمَّا خَرَجُوا بَلَغَ مَكَّةَ خَبَرُ خُرُوجِهِمْ، فَنَادَى أَبُو جَهْلٍ فَوْقَ الْكَعْبَةِ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ النَّجَاءَ، فَخَرَجَ أَبُو جَهْلٍ بِجَمِيعِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْعِيرَ أَخَذَتْ طَرِيقَ السَّاحِلِ وَنَجَتْ، فَارْجِعْ إِلَى مَكَّةَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ! فَمَضَى بِهِمْ إِلَى بَدْرٍ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ الْعِيرَ قَدْ مَضَتْ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَهَذَا أَبُو جَهْلٍ قَدْ أَقْبَلَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا) : بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ نُدْخِلَ الدَّوَابَّ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، وَدَلَالَةِ الْمَرَامِ (الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا) ، قَالَ الْقَاضِي: الْإِخَاضَةُ الْإِدْخَالُ فِي الْمَاءِ، وَالْكِنَايَةُ لِلْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُهَا بِقَرِينَةِ الْحَالِ، (وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا) : قَالَ الْقَاضِي: ضَرْبُ الْأَكْبَادِ عِبَارَةٌ عَنْ تَكْلِيفِ الدَّابَّةِ لِلسَّيْرِ بِأَبْلَغِ مِمَّا يُمْكِنُ، فَالْمَعْنَى لَوْ أَمَرْتَنَا بِالسَّيْرِ الْبَلِيغِ وَالسَّفَرِ السَّرِيعِ (إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ) أَيْ: مَثَلًا مِنَ الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَيُكْسَرَانِ. قَالَ شَارِحٌ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ كَسْرَ الْغَيْنِ وَكَسْرَ الْبَاءِ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ: صَوَابُهُ كَسْرُ الْبَاءِ، وَكَذَا قَيَّدَ شُيُوخُ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي الْبُخَارِيِّ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الرَّاءَ سَاكِنَةٌ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنِ الْأَصِيلِيِّ بِإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا، وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ، وَالْغِمَادِ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَمِّهَا وَاللُّغَةُ عَلَى كَسْرِهَا. قُلْتُ: رِوَايَةُ الْمُحَدِّثِينَ أَرْجَحُ وَلِلِاعْتِمَادِ أَصَحُّ. قَالَ: وَهُوَ مَوْضِعٌ بِأَقْصَى هَجَرَ، وَاخْتَارَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَوْضِعٌ مِنْ وَرَاءِ مَكَّةَ بِخَمْسِ لَيَالٍ بِنَاحِيَةِ السَّاحِلِ، وَقِيلَ: بَلَدٌ مِنَ الْيَمَنِ ثُمَّ قَوْلُهُ: (لَفَعَلْنَا) . جَوَابُ (لَوْ) وَلَعَلَّ وَجْهَ الْعُدُولِ عَنْ (ضَرَبْنَا أَكْبَادَهَا إِلَيْهِ) لِلْإِيجَازِ أَوْ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ صَعْبٍ كَالسَّيْرِ فِي بَحْرٍ، وَالسَّفَرِ فِي بَرٍّ لَوْ أَمَرْتَنَا بِفِعْلِهِ لَفَعَلْنَا.

(قَالَ) أَيْ: أَنَسٌ (فَنَدَبَ) أَيْ: فَدَعَا (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ) ، أَيِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا هُمُ النَّاسُ (فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا) ، وَهُوَ مَشْهَدٌ مَعْرُوفٌ وَيَأْتِي بَيَانُهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: لِأَصْحَابِهِ (هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٌ) . أَيْ مَقْتَلُ فُلَانٍ مِنَ الْكُفَّارِ، وَهَذَا مَهْلِكُ فُلَانٍ، وَهَذَا مَطْرَحُ فُلَانٍ، حَتَّى عَدَّ سَبْعِينَ مِنْهُمْ، (وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَاهُنَا وَهَاهُنَا) . إِشَارَةً إِلَى خُصُوصِ تِلْكَ الْقِطَعِ مِنَ الْأَرْضِ لِزِيَادَةِ تَوْضِيحِ الْمُعْجِزَةِ (قَالَ) أَيْ: أَنَسٌ (فَمَا مَاطَ) أَيْ: مَا زَالَ وَبَعُدَ وَتَجَاوَزَ (أَحَدُهُمْ) أَيْ: مِنَ الْكُفَّارِ (عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015