مُعْجِزَاتٌ أُخَرُ مُنْضَمَّةٌ إِلَى هَذَا الْجَوَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ) ، أَيْ عَلَامَاتِهَا (وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ) : بِكَسْرِ الزَّايِ يُقَالُ: نَزَعَ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ إِذَا أَشْبَهَهُ ذِكْرُهُ. فِي الْغَرِيبَيْنِ: فَالْمَعْنَى وَمَا يُشْبِهُهُ (الْوَلَدَ) : بِالنَّصْبِ (إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ) ؟ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ قَوْمُهَا، أَوْ أَصْلُ الشَّبَهِ، أَوِ الْحُكْمُ غَالِبِيٌّ عَادِيٌّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِ الْوَلَدِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ مَا سَبَبُ نُزُوعِ الْوَلَدِ وَمَيْلِهِ إِلَى أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ; فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَنِ الْمَصْدَرِيَّةَ مِنَ الْمُضَارِعِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَحْضَرَ الْوَغَى اهـ. وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَ شَارِحٌ مَعْنَاهُ أَيُّ شَيْءٍ يَجْذِبُ الْوَلَدَ إِلَى أَبِيهِ فِي الشَّبَهِ؟ (قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ) : قَالَهُ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ (آنِفًا) ، بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ أَيْ: هَذِهِ السَّاعَةُ (أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ) أَيْ: تَجْمَعُهُمْ (مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ) أَيِ: الْمُسَمَّى بِنُزُلًا الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَا حَضَرَ وَهُوَ مُقَدِّمَةُ بَقِيَّةِ النَّعْمَةِ (فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ) أَيْ: طَرَفُهَا، وَهِيَ أَطْيَبُ مَا يَكُونُ مِنَ الْكَبِدِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ الْحُوتُ الَّذِي عَلَى ظَهْرِهِ الْأَرْضُ، وَإِذَا جَعَلَ الْأَرْضَ طُعْمَةً لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَالْحُوتُ كَالْإِدَامِ لَهُمْ، كَذَا ذَكَرَهُ شَارِحٌ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ هَذِهِ الطُّعْمَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ (وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ) أَيْ: عَلَا وَغَلَبَ (مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ) ، بِالنَّصْبِ أَيْ جَذَبَ الرَّجُلُ مَاؤُهُ الْوَلَدَ إِلَى شَبَهِهِ وَيُرْفَعُ، (وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ) ، أَيْ جَذَبَتِ الْمَرْأَةُ (الْوَلَدَ) . وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِ الْوَلَدِ وَإِلَيْهِ يُنْظَرُ مَا قَالَهُ الْمُظْهِرُ، يَعْنِي: إِذَا غَلَبَ مَاءُ الرَّجُلِ أَشْبَهَهُ الْوَلَدُ، وَإِذَا غَلَبَ مَاءُ الْمَرْأَةِ أَشْبَهَهَا الْوَلَدُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلَى هَذَا التَّأْنِيثِ فِي نَزَعَتْ بِتَأْوِيلِ السِّمَةِ. وَقَالَ شَارِحٌ قَوْلُهُ: نَزَعَتْ أَيْ: جَذَبَتِ الْمَرْأَةُ بِالْوَلَدِ إِلَى مُشَابَهَتِهَا بِسَبَبِ غَلَبَةِ مَائِهَا، أَوْ جَذَبَتْ مَاءَهَا فَأُكْسِبَ التَّأْنِيثُ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ اهـ. وَأَمَّا نِسْبَةُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَبِاعْتِبَارِ مُسَابَقَةِ مَاءِ الرَّجُلِ وَعَكْسِهِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ.
(قَالَ) أَيِ: ابْنُ سَلَامٍ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ) . ثُمَّ اسْتَأْنَفَ (وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ) ، بِضَمِّ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ هَاءٍ فِي النِّهَايَةِ: هُوَ جَمْعُ بَهُوتٍ مِنْ بِنَاءِ الْمُبَالِغَةِ فِي الْبُهْتَانِ كَصَبُورٍ وَصُبُرٍ ثُمَّ سُكِّنَ تَخْفِيفًا (وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي مِنْ قَبْلِ أَنْ تَسْأَلَهُمْ) أَيْ: عَنِّي (يَبْهَتُونِّي) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَيُخَفَّفُ أَيْ: يَبْهَتُونَنِي كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ أَيْ: يَنْسِبُونِي إِلَى الْبُهْتَانِ، وَيَجْعَلُونِي مَبْهُوتًا حَيْرَانَ وَلَمْ يَكُنْ إِسْلَامِي عَلَيْهِمْ حُجَّةً وَاضِحَةَ الْبُرْهَانِ، (فَجَاءَتِ الْيَهُودُ) أَيْ: بِإِحْضَارِهِمْ أَوِ اتِّفَاقًا فِي مَأْتَاهُمْ، وَابْنُ سَلَامٍ فِي اخْتِفَاءٍ عَنْهُمْ. (فَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ) ؟ أَيْ فِيمَا بَيْنَكُمْ أَوْ فِي زَعْمِكُمْ وَمُعْتَقَدِكُمْ، (قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا) ، أَيْ فِي الْحَسَبِ مِنَ الْحِلْمِ وَالصَّلَاحِ (وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا) ، أَيْ فِي النَّسَبِ، أَوْ فِي سَائِرِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. (قَالَ: أَرَأَيْتُمْ) أَيْ: أَخْبَرُونِي (إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) ؟ أَيْ: فَهَلْ تُسْلِمُونَ (قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ) . أَيْ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُتَصَوَّرَ هَذَا مِنْهُ. (فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: شَرُّنَا) أَيْ: هُوَ شَرُّنَا (وَابْنُ شَرِّنَا، فَانْتَقَصُوهُ) ، مِنَ النَّقْصِ وَهُوَ الْعَيْبُ (قَالَ: هَذَا) أَيْ: هَذَا الِانْتِقَاصُ (هُوَ الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ) أَيْ: أَحْذَرُهُ وَحَمَلْتُكَ عَلَى سُؤَالِهِمْ تَصْدِيقًا لِحَالِهِمْ، وَشَهَادَةً عَلَى مَقَالِهِمْ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .