( «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: (بَلَى» ) أَيْ: يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَيُشَارِكُهَا مَعَهُمْ بَعْضُ الْأَصْفِيَاءِ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ) أَيْ: وَهُمْ رِجَالٌ، أَوْ يَبْلُغُهَا رِجَالٌ، أَيْ كَامِلُونَ فِي الرُّجُولِيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] الْآيَةَ. آمَنُوا بِاللَّهِ أَيْ: حَقَّ الْإِيمَانِ، وَغَايَةَ الْإِيقَانِ، وَنِهَايَةَ الْإِحْسَانِ، (وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) . فِي إِجَابَةِ مَا أَمَرُوا بِهِ وَنَهَوْا عَنْهُ، وَقَامُوا بِوَصْفِ الصَّابِرِينَ وَالشَّاكِرِينَ، وَتَرَفَّعُوا إِلَى مَقَامِ الرَّاضِينَ. قَالَ تَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] إِلَى أَنْ قَالَ: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان: 75] وَالْآيَةَ. وَفِي جَمْعِ الْمُرْسَلِينَ إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ الْعَلِيَّةَ عَامَّةٌ لِلسَّابِقِينَ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الرُّتَبِ السَّنِيَّةِ، وَلَيْسَتْ خَاصَّةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، مَعَ أَنَّ تَصْدِيقَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ إِنَّمَا هُوَ لِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ، نَعَمْ قَدْ يُرَادُ بِهِ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ لِلْجَمْعِ، فَالْمُرَادُ رَسُولُهُ خَاصَّةً بِالْأَصَالَةِ، وَسَائِرُ الرُّسُلِ بِالتَّبَعِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ التَّصْدِيقِ بِالْوَاحِدِ التَّصْدِيقُ بِالْكُلِّ، وَكَذَا فِي جَانِبِ التَّكْذِيبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَفْظُهُ: ( «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ» ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عُرْوَةَ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِلَفْظِ: ( «إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَاهُمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا» ) . وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ قِيلَ: وَمَا مَعْنَى أَنْعَمَا؟ قَالَ: أَهْلٌ لِذَلِكَ هُمَا. وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: ( «إِنَّ أَهْلَ عِلِّيِّينَ لَيُشْرِفُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْجَنَّةِ فَيُضِيءُ وَجْهُهُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا يُضِيءُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا» ) . وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْأُخْوَانِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَعُمُدًا مِنْ يَاقُوتٍ عَلَيْهَا غُرَفٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَلَهَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، تُضِيءُ كَمَا يُضِيءُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ، يَسْكُنُهَا الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ، وَالْمُتَجَالِسُونَ فِي اللَّهِ، وَالْمُتَلَاقُونَ فِي اللَّهِ» ) . وَرَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا: ( «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلَانَ الْكَلَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015