5624 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ، مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: " بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5624 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ) أَيْ: يَنْظُرُونَ أَوْ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا (أَهْلَ الْغُرَفِ) : بِضَمٍّ فَفَتْحٍ، جَمْعُ غُرْفَةٍ وَهِيَ بَيْتٌ يُبْنَى فَوْقَ الدَّارِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْقُصُورُ الْعَالِيَةُ فِي الْجَنَّةِ (مِنْ فَوْقِهِمْ) وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الحاقة: 22] يُرَادُ بِهَا الْعُلُوُّ الْحِسِّيُّ أَيْضًا (كَمَا تَتَرَاءَوْنَ) أَيْ أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا (الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ) أَيْ: لِصَفَاءِ لَوْنِهِ وَنُورِهِ وَعُلُوِّ ظُهُورِهِ (الْغَابِرَ) : بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ بِالْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْغُبُورِ، أَيِ الْبَاقِيَ (فِي الْأُفُقِ) - بِضَمَّتَيْنِ - جَمْعُ الْآفَاقِ أَيْ فِي أَطْرَافِ السَّمَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْهَمْزَةِ بَدَلَهَا، مِنَ الْغَوْرِ، أَيِ الذَّاهِبَ فِي الْأُفُقِ الْبَعِيدَ الْغَوْرِ فِيهِ، (مِنَ الْمَشْرِقِ) أَيْ مِنْ جَانِبِهِ (أَوِ الْمَغْرِبِ) أَيْ مِنْ طَرَفِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ (أَوْ) لِلتَّخْيِيرِ فِي التَّشْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: 19] وَنَحْوِ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور: 40] وَلَيْسَتْ لِلشَّكِّ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدِ اخْتُلِفَ فِي الْغَابِرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِالْهَمْزَةِ بَعْدَ الْأَلِفِ مِنَ الْغَوْرِ، يُرِيدُونَ أَنْحِطَاطَهُ فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِالْبَاءِ مِنَ الْغُبُورِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْبَاقِي فِي الْأُفُقِ بَعْدَ انْتِشَارِ ضَوْءِ الْفَجْرِ، فَإِنَّمَا يَسْتَبِينُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْكَوْكَبُ الْمُضِيءُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى نَشَأَتْ مِنَ التَّصْحِيفِ، انْتَهَى. وَلَمْ يُذْكَرْ وَجْهُ التَّصْحِيفِ فِيهِ.

وَقَالَ شَارِحٌ: وَرُوِيَ الْغَابِرُ مِنَ الْغَوْرِ وَهُوَ الِانْحِطَاطُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: مِنَ الْمَشْرِقِ، إِذْ غَوْرُ الْكَوْكَبِ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ، ثُمَّ قَالَ قَوْلَهُ: مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، كَذَا فِي الْمَصَابِيحِ أَيْ بِالْوَاوِ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ كَمَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَكَذَا (بِأَوْ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَجَامِعِ الْأُصُولِ وَرِيَاضِ الصَّالِحِينَ قِيلَ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ مَعًا دُونَ السَّمَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْبُعْدُ وَالْإِنَارَةُ مَعًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى الْغَابِرِ الذَّاهِبُ الْمَاضِي أَيِ الَّذِي تَدَلَّى لِلْغُرُوبِ وَبَعُدَ عَنِ الْعُيُونِ. وَرُوِيَ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الْغَارِبُ بِتَقَدُّمِ الرَّاءِ، وَرُوِيَ الْعَازِبُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ، وَمَعْنَاهُ الْبَعِيدُ فِي الْأُفُقِ، فَكُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْتَ: مَا فَائِدَةُ تَقْيِيدِ الْكَوْكَبِ بِالدُّرِّيِّ ثُمَّ بِالْغَابِرِ فِي الْأُفُقِ؟ قُلْتُ: لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ الَّذِي وَجْهُهُ مُنْتَزَعٌ مِنْ عِدَّةِ أُمُورٍ مُتَوَهَّمَةٍ فِي الْمُشَبَّهِ، شَبَّهَ رُؤْيَةَ الرَّائِي فِي الْجَنَّةِ صَاحِبَ الْغُرْفَةِ بِرُؤْيَةِ الرَّائِي الْكَوْكَبَ الْمُسْتَضِيءَ الْبَاقِيَ مِنْ بَابِ الشَّرْقِ أَوِ الْغَرْبِ فِي الِاسْتِضَاءَةِ مَعَ الْبُعْدِ، فَلَوْ قِيلَ: " الْغَائِرُ " لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاقَ يَفُوتُ عِنْدَ الْغُرُوبِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ: الْمُسْتَشْرِفَ عَلَى الْغُرُوبِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] أَيْ شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ، لَكِنْ لَا يَصِحُّ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، نَعَمْ يَجُوزُ عَلَى التَّقْدِيرِ كَقَوْلِهِمْ: مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا وَرُمْحًا، وَعَلَفْتُهُ تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا. أَيْ: طَالِعًا فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ وَغَائِرًا فِي الْمَغْرِبِ (لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ) : عِلَّةٌ لِلتَّرَائِي، وَالْمَعْنَى إِنَّمَا ذَلِكَ لِتَزَايُدِ مَرَاتِبِ مَا بَيْنَ سَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْعَالِيَةِ وَمَا بَيْنَ أَرْبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْعَالِيَةِ. قِيلَ: الْجَنَّةُ طَبَقَاتٌ: أَعْلَاهَا لِلسَّابِقِينَ، وَأَوْسَطُهَا لِلْمُقْتَصِدِينَ، وَأَسَافِلُهَا لِلْمُخَلِّطِينَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015