(وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ) : بِتَقْدِيرِ: أَمَّا، وَلِذَا قَالَ (فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا) . مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (وَالشَّيْخُ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ) . جُمْلَةٌ أُخْرَى (وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ) : بِالْفَاءِ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ مَا فِي صَدْرِ الْكَلَامِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مُطَابِقٌ لِلْجُمَلِ السَّابِقَةِ الَّتِي تَلِيهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأَوْلَادُ النَّاسِ جَازَ دُخُولُهُ عَلَى الْخَبَرِ ; لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَدْخُولٍ، أَمَّا فِي قَوْلِهِ: أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَهُ، وَحُذِفَ الْفَاءُ فِي بَعْضِ الْمَعْطُوفَاتِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ أَمَّا لَمَّا حُذِفَتْ حُذِفَ مُقْتَضَاهَا وَكِلَاهُمَا جَائِزَانِ. (وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ. وَالدَّارُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ) أَيْ: أَوَّلًا (دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ) ، أَيْ: عَوَامِّهِمْ أَوَ أَكْثَرِهِمْ (وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ) ، أَيْ: خَوَاصُّ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ لِمَا وَرَدَ: أَنَّ مِدَادَ الْعُلَمَاءِ يُرَجَّحُ عَلَى دِمَاءِ الشُّهَدَاءِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالشُّهَدَاءِ أَرْبَابُ الْحُضُورِ مَعَ الْمَوْلَى فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِمْ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعَامَّةِ مَنْ غَالِبُ أَحْوَالِهِمُ الْغَفْلَةُ وَالْغَيْبَةُ عَنِ الْحَضْرَةِ. (وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ) ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَأَفْضَلُ الْمَلَائِكَةِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (فَارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ) أَيْ: فِي غَايَةٍ مِنَ الِارْتِفَاعِ وَنِهَايَةٍ مِنَ الِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، أَوْ يَطْمَعَ فِيهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَدَدٌ.
(وَفِي رِوَايَةٍ: مِثْلُ الرَّبَابَةِ) : وَهِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ السَّحَابَةُ الَّتِي رَكِبَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ (الْبَيْضَاءِ: قَالَا ذَلِكَ) أَيْ: هَذَا (مَنْزِلُكَ) . وَلَعَلَّ الْعُدُولَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى عُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ، وَبُعْدِ الْوُصُولِ إِلَى تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ كَمَا قِيلَ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ) (قُلْتُ: دَعَانِي) أَيِ: اتْرُكَانِي (أَدْخُلْ) : بِالْجَزْمِ وَيُرْفَعُ (مَنْزِلِي) أَيِ: الْآنَ لِأَرَى تَفْصِيلَ مَا لِيَ (قَالَا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ) : بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي أَيْ: زَمَانٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعُمُرِ (لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ) أَيْ: مَا اسْتَكْمَلْتَهُ إِلَى الْآنِ (فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَإِذَا اسْتَكْمَلْتَهُ (أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ الْإِمَامِ بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَعَلَى اسْتِحْبَابِ السُّؤَالِ عَلَى الرُّؤْيَا، وَعَلَى مُبَادَرَةِ الْمُعَبِّرِ إِلَى تَأْوِيلِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَتَشَعَّبَ ذِهْنُهُ بِاشْتِغَالِهِ فِي مَعَاشِهِ فِي الدُّنْيَا ; وَلِأَنَّ عَهْدَ الرَّائِي قَرِيبٌ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُشَوِّشُهَا ; وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا مَا يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ، كَالْحَثِّ عَلَى خَيْرٍ، وَالتَّحْذِيرِ عَنْ مَعْصِيَةٍ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ وَتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَنَّ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ فِي جُلُوسِهِ لِلْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ جَائِزٌ. قُلْتُ: هُوَ لِلْعِلْمِ أَفْضَلُ إِنْ لَمْ يُتَصَوَّرِ الِاسْتِقْبَالُ مَعَ الْإِقْبَالِ، وَفِي الْخُطْبَةِ مُتَعَيَّنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا اسْتِقْبَالُهُ فِي غَيْرِهِمَا فَمُسْتَحَبٌّ لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ: " «أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ» ".
(وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَدِينَةِ فِي بَابِ حُرْمَةِ الْمَدِينَةِ) .