وَرَدَتْ لِمُجَرَّدِ الْمُوَافَقَةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ بِطَرِيقِ الْإِمْكَانِ فَتُتَصَوَّرُ الزِّيَادَةُ أَوْ بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّمَا مَنَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الرُّطَبِ ; لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ تَضُرُّ بِالنَّاقِهِ لِسُرْعَةِ اسْتِحَالَتِهَا، وَضَعْفِ الطَّبِيعَةِ عَنْ دَفْعِهَا لِعَدَمِ الْقُوَّةِ، فَأَوْفَقُ بِمَعْنَى " مُوَافِقٌ " ; إِذْ لَا أَوْفَقِيَّةَ فِي الرُّطَبِ لَهُ أَصْلًا، وَيَصِحُّ كَوْنُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فِي الرُّطَبِ مُوَافَقَةً لَهُ مِنْ وَجْهٍ، وَأَنَّ ضَرَّهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ السِّلْقِ وَالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ الْأَغْذِيَةِ لِلنَّاقِهِ؛ لِأَنَّ فِي مَاءِ الشَّعِيرِ مِنَ التَّغْذِيَةِ وَالتَّلَطُّفِ وَالتَّلْيِينِ وَتَقْوِيَةِ الطَّبِيعَةِ، فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْحِمْيَةُ لِلْمَرِيضِ وَالنَّاقِهِ، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: أَنْفَعُ مَا تَكُونُ الْحِمْيَةُ لِلنَّاقِهِ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيطَ يُوجِبُ انْعِكَاسَهُ وَهُوَ أَصْعَبُ مِنَ ابْتِدَاءِ الْمَرَضِ، وَالْحِمْيَةُ لِلصَّحِيحِ مَضَرَّةٌ كَالتَّخْلِيطِ لِلنَّاقِهِ وَالْمَرِيضِ، وَقَدْ تَشْتَدُّ الشَّهْوَةُ وَالْمَيْلُ إِلَى ضَارٍّ فَيَتَنَاوَلُ مِنْهُ يَسِيرًا فَتَقْوَى الطَّبِيعَةُ عَلَى هَضْمِهِ فَلَا يَضُرُّ، بَلْ رُبَّمَا يَنْفَعُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ أَنْفَعَ مِنْ دَوَاءٍ يَكْرَهُهُ الْمَرِيضُ، وَلِذَا «أَقَرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُهَيْبًا وَهُوَ أَرْمَدُ عَلَى تَنَاوُلِ التَّمْرَاتِ الْيَسِيرَةِ» ، وَخَبَرُهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ: «قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ يَدَيْهِ خُبْزٌ وَتَمْرٌ فَقَالَ: " ادْنُ وَكُلْ " ; فَأَخَذْتُ تَمْرًا فَأَكَلْتُ فَقَالَ: " أَتَأْكُلُ تَمْرًا وَبِكَ رَمَدٌ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمْضُغُ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، فَتَبَسَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015