تَعْذِيبَهُ، أَوْ مَا يُوجِبُ تَعْذِيبَهُ أَوِ الْمُطِيعُ إِذَا رَضِيَ بِفِعْلِ الْعَاصِي أَوْ لَمْ يُنْكِرْ أَوْ سَاكَنَهُ وَمَا شَاءَ وَعَاشَرَهُ فِي مَأْوَاهُ لَا يَخْلُوا عَنِ اسْتِحْقَاقِ تَعْذِيبٍ مَا، أَوْ تَعْذِيبُهُ صُورَةَ تَعْذِيبٍ. وَفِي الْحَقِيقَةِ تَكْفِيرٌ وَتَهْذِيبٌ، فَسُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ إِلَّا الْعَدْلُ أَوِ الْفَضْلُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] (فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَقْدِيرِ اللَّامِ أَيْ أَوْصَى بِهَذَا الْكَلَامِ يُعَيِّنُ لِأَجَلِ (قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ) : أَيْ وَاحِدَةٌ (أَحْرَقْتَ أُمَّةً) : أَيْ أَمَرْتَ بِإِحْرَاقِ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ (مِنَ الْأُمَمِ) : حَالَ كَوْنِهَا (تُسَبِّحُ) .
قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أُمَّةً مُسَبِّحَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا وُضِعَ الْمُضَارِعُ مَوْضِعَ مُسَبِّحَةٍ لِيَدُلَّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَمَزِيدًا لِلْإِنْكَارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} [ص: 18] الْكَشَّافُ: فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى حُدُوثِ التَّسْبِيحِ مِنَ الْجِبَالِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَحَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَكَأَنَّ السَّامِعَ يُحَاضِرُ تِلْكَ الْحَالَ وَيَسْمَعُهَا، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: أَحْرَقْتَ أُمَّةً جَوَازُ إِحْرَاقِ تِلْكَ الْقَارِصَةِ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالُوا: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ ذَلِكَ النَّبِيِّ كَانَ فِيهِ جَوَازُ قَتْلِ النَّمْلِ وَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَلِذَا لَمْ يَعْتِبْ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ، بَلْ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى نَمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا فِي شَرْعِنَا فَلَا يَجُوزُ إِحْرَاقُ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ إِلَّا بِالِاقْتِصَاصِ، وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ الْقَمْلُ وَغَيْرُهُ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: (لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى) . وَأَمَّا قَتْلُ النَّمْلِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَسَيَجِيءُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النَّمْلِ عَلَى غَيْرِ الْمُؤْذِي مِنْهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقِيَاسًا عَلَى الْقَمْلِ، فَإِنْ أَذَى النَّمْلِ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مِنَ الْقَمْلِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ مَا إِذَا حَصَلَ مِنْهُ الْأَذَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَاقُ مَنْسُوخًا، أَوْ مَحْمُولًا عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ قَتْلُهُ إِلَّا بِهِ ضَرُورَةً. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .