الْعَظِيمِ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 86 - 87] ; لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ (مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ) مَعْنَى الْمَالِكِيَّةِ كَأَنَّهُ قِيلَ لِمَنِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لِأَصْحَابِهِ (أَبِهِ جُنُونٌ فَأُخْبِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَأَخْبَرُوهُ (أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَالَ: أَشَرِبَ خَمْرًا، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ) أَيْ طَلَبَ نَكْهَتَهُ مِنْ رَائِحَةِ فَمِهِ لِيَعْلَمَ أَشَارِبٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ شَارِبٍ (فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ: أَزَنَيْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ) أَيْ بِرَجْمِهِ (فَرُجِمَ، فَلَبِثُوا يَوْمَيْنِ) أَيْ بَعْدِ رَجْمِهِ (أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ) أَيِ اطْلُبُوا لَهُ مَزِيدَ الْمَغْفِرَةِ وَتَرَقِّي الدَّرَجَةِ (لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً) أَيْ مِنْ ذَنْبِهِ هَذَا (لَوْ قُسِّمَتْ) أَيْ ثَوَابُهَا (بَيْنَ أُمَّةٍ) أَيْ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ (لَوَسِعَتْهُمْ) بِكَسْرِ السِّينِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لَكَفَتْهُمْ سَعَةً يَعْنِي تَوْبَةً تَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَةً وَرَحْمَةً تَسْتَوْعِبَانِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنَ الْخَلْقِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي الْغَامِدِيَّةِ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ - مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذًا مَا فَائِدَةُ اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزٍ؟ قَلْتُ: فَائِدَةُ قَوْلِهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] إِلَى قَوْلِهِ: وَاسْتَغْفِرُوا، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا - لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [الفتح: 1 - 2] فَإِنَّ الثَّانِي طَلَبُ مَزِيدِ الْغُفْرَانِ وَمَا يَسْتَدْعِيهِ مِنَ التَّرَقِّي فِي الْمَقَامَاتِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 90] (ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَمَنِ (مِنَ الْأَزْدِ) قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْغَامِدِيَّةُ مِنْ بَنِي غَامِدٍ حَيٌّ مِنَ الْأَزْدِ قَالَهُ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ، وَفِي كِتَابِ أَنْسَابِ الْعَرَبِ غَامِدٌ بَطْنٌ مِنْ خُزَاعَةَ، وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ: وَيْحَكِ! فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: تُرِيدُ أَنْ تَرْدُدَنِي) أَيْ تُرْجِعَنِي (كَمَا رَرَدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا) . قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الزِّنَا مَقْصُورٌ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) وَيُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ وَعَلَيْهَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ
أَبَا طَاهِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفُ زِنَاؤُهُ وَمَنْ يَشْرَبِ الْخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرَا بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا مِنَ السُّكْرِ وَالْخُرْطُومُ مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ إِنَّهَا حُبْلَى جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةُ بَيَانٍ لِمُوجِبِ قِيَاسِ حَالِهَا عَلَى حَالِ مَاعِزٍ وَالْعِلَّةُ غَيْرُ جَامِعَةٍ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: إِنِّي غَيْرُ مُتَمَكِّنَةٍ مِنَ الْإِنْكَارِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِظُهُورِ الْحَبَلِ بِخِلَافِهِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّهَا حُبْلَى عَلَى الْغَيْبَةِ حِكَايَةُ مَعْنًى، وَقَوْلُهَا: إِنِّي حُبْلَى يَدُلُّ عَلَى الْجَوَابِ (فَقَالَ: أَنْتِ؟) وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمَدِّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ (قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ لَهَا: حَتَّى) أَيِ اصْبِرِي إِلَى أَنْ (تَضَعِي) وَقَالَ الطِّيبِيُّ: غَايَةٌ لِجَوَابِ قَوْلِهَا: طَهِّرْنِي أَيْ لَمْ أُطَهِّرْكِ حَتَّى تَضَعِي (مَا فِي بَطْنِكِ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ أَنَّ الْحَامِلَ لَا يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ مَا لَمْ تَضَعِ الْحَمْلَ لِئَلَّا يَلْزَمَ إِهْلَاكُ الْبَرِيءِ بِسَبَبِ الْمُذْنِبِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعِبَادِ (قَالَ) أَيِ الرَّاوِي (فَكَفَلَهَا) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ قَامَ بِمُؤْنَتِهَا وَمَصَالِحِهَا (رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ) قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْكَفَالَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الضَّمَانِ لِأَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي حُدُودِ اللَّهِ (فَأَتَى) أَيِ الرَّجُلُ (النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بَعْدَ مُدَّةٍ (فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ) أَيْ فَمَا الْحُكْمُ فِيهَا؟ (فَقَالَ: إِذًا) بِالتَّنْوِينِ (لَا نَرْجُمُهَا)