قُلْتُ: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي. قَالَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ إِضْمَارٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَا دَلِيلَ يَقْتَضِيهِ، وَأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ غَيْرُ لَازِمٍ. قُلْتُ: عَدَمُ لُزُومِهِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ، فَالْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ أَحْسَنُ، وَهُوَ الدَّلِيلُ الْمُقْتَضِي لِلْإِضْمَارِ، فَضَعُفَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُهُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِحَرْبِيٍّ، فَيَكُونُ لَغْوًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. قُلْتُ: بَلِ الْفَائِدَةُ فِيهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِذِمِّيٍّ عِنْدَنَا، فَيَتَعَيَّنُ هَذَا التَّأْوِيلُ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَوْلَا أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكَانَ الْكَلَامُ خَالِيًا عَنِ الْفَائِدَةِ لِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُعَاهِدَ لَا يُقْتَلُ فِي عَهْدِهِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فَائِدَتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَسْقَطَ الْقَوَدَ عَنِ الْمُسْلِمِ إِذَا قَتَلَ الْكَافِرَ أَوْجَبَ ذَلِكَ تَوْهِينَ حُرْمَةِ دِمَاءِ الْكُفَّارِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ مِنْ وُقُوعِ شُبْهَةٍ لِبَعْضِ السَّامِعِينَ فِي حُرْمَةِ دِمَائِهِمْ وَإِقْدَامِ الْمُسْرِعِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَتْلِهِمْ، فَأَعَادَ الْقَوْلَ فِي حَظْرِ دِمَائِهِمْ دَفْعًا لِلشُّبْهَةِ، وَقَطْعًا لِتَأْوِيلِ الْمُتَأَوِّلِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَإِنْ قَوَّاهُ الطِّيبِيُّ مِمَّا تَكَلَّفَهُ. قَالَ الْأَشْرَفُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى: يَحْتَمِلُ هَذَا الْحَدِيثُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِأَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا مُعَاهِدٌ بِبَعْضِ الْكُفَّارِ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ، وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ لَفْظَةُ وَاحِدَةٌ يُعْطَفُ عَلَيْهَا سِيمَاءَانِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا رَاجِعًا إِلَى جَمِيعِهَا، وَالْآخَرُ إِلَى بَعْضِهَا. قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ فِي الْكَلَامِ لِيَظْهَرَ بِهِ الْمَرَامُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا فِي شَرْحِهِ: قَوْلُهُ: ذُو عَهْدٍ. عَطْفٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ: ذُو أَمَانٍ لَا ذُو إِيمَانٍ ; لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَإِلَّا يَصِيرُ مَعْنَاهُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إِلَّا أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا تَقْدِيرُهُ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْحَرْبِيُّ دُونَ الذِّمِّيِّ ; لِأَنَّهُ يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِمِثْلِهِ إِجْمَاعًا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) : أَيْ كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيٍّ.