لِإِخْرَاجِ الْوَسْوَسَةِ بِبَرَكَةِ يَدِهِ، وَإِمَّا لِلتَّلَطُّفِ، وَإِمَّا لِإِرَادَةِ الْحِفْظِ، أَوْ لِتَذَكُّرِ الْقَضِيَّةِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِهَا (فَفِضْتُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ الثَّانِيَةِ (عَرَقًا) تَمْيِيزٌ: أَيْ فَجَرَى عَرَقِي مِنْ جَمِيعِ بَدَنِي اسْتِحْيَاءً مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَدَامَةً عَلَى مَا فَعَلَهُ، وَفَنَاءً عَنْ نَفْسِهِ وَإِغْمَاءً عَنْ حَالِهِ (وَكَأَنَّمَا) وَفَى نُسْخَةٍ فَكَأَنَّمَا (أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ فَرَقَا) : أَيْ خَوْفًا قِيلَ: تَمْيِيزٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ نَصْبَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ: أَيْ فَكَأَنِّي لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى مَا فَعَلْتُ أُحْضِرْتُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلْحُكْمِ فِيَّ بِمَا أَرَادَ (فَقَالَ لِي يَا أُبَيُّ) : أَيْ تَسْكِينًا وَتَبْيِينًا (أُرْسِلَ إِلَيَّ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ: أَيْ أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ، وَفَى نُسْخَةٍ عَلَى بِنَاءِ الْمَعْلُومِ: أَيْ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيَّ (أَنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَفَى نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ الْمُتَكَلِّمِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَنْ مُفَسِّرَةٌ، وَجَوَّزَ كَوْنَهَا مَصْدَرِيَّةً عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً عَلَى الْأَمْرِ (عَلَى حَرْفٍ) : أَيْ قِرَاءَةً وَاحِدَةً (فَرَدَدْتُ) : أَيْ جِبْرِيلُ (إِلَيْهِ) أَوْ فَرَاجَعْتُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (أَنْ هَوِّنْ) : أَيْ سَهِّلْ وَيَسِّرْ (عَلَى أُمَّتِي) أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ مَدْخُولِهَا أَمْرًا؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، أَوْ مُفَسِّرَةٌ لِمَا فِي رَدَدْتُ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ، يُقَالُ رَدَّ إِلَيْهِ إِذَا رَجَعَ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ فَقُلْتُ لَهُ قَوْلًا مُتَكَرِّرًا، فَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ رِوَايَةً وَلَا دِرَايَةً (فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ) مَاضٍ مَجْهُولٌ، أَوْ مَعْلُومٌ رَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ الرِّسَالَةَ الثَّانِيَةَ (اقْرَأْهُ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، أَوِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ بِدُونِ أَنْ كَمَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ خِلَافًا لِمَا تَوَهِمُهُ عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ رَدَّ وَرَدَّ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ مَسْبُوقًا لِسُؤَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ كَيْفِيَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّدِّ رَجْعُ الْكَلَامِ وَرَدُّ الْجَوَابِ (عَلَى حَرْفَيْنِ) : أَيْ نَوْعَيْنِ (فَرَدَّدَتْ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي) : أَيْ بِزِيَادَةِ التَّهْوِينِ (فَرَدَّ) بِالْوَجْهَيْنِ (إِلَيَّ الثَّالِثَةِ اقْرَأْهُ) بِالضَّبْطَيْنِ (عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا) : أَيْ لَكَ بِمُقَابَلَةِ كُلِّ دَفْعَةٍ رَجَعَتْ إِلَيَّ وَرَدَدْتُكَهَا بِمَعْنَى أَرْجَعْتُكَ إِلَيْهَا بِحَيْثُ مَا هَوَّنْتُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ (مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ يَعْنِي مَسْأَلَةً مُسْتَجَابَةً قَطْعًا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ يَنْبَغِي أَنْ تَسْأَلْنِيهَا فَأُجِيبَكَ إِلَيْهَا (فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أَهْلُ الْكَبَائِرِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي) : أَيْ لِأَهْلِ الصَّغَائِرِ، وَعَكَسَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ شَارِحٌ: لَمَّا انْقَسَمَ الْمُحْتَاجُ إِلَى الْمَغْفِرَةِ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَى مُفَرِّطٍ وَمُفْرِطٍ فِي اسْتَغْفَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُقْتَصِدِ الْمُفَرِّطِ فِي الطَّاعَةِ، وَأُخْرَى لِلظَّالِمِ فِي الْمَعْصِيَةِ، أَوِ الْأُولَى لِلْخَوَاصِّ ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ مَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: 23] وَالثَّانِيَةُ لِلْعَوَامِّ، أَوِ الْأُولَى فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى فِي الْعُقْبَى (وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ) : أَيِ الْمَسْأَلَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ الشَّفَاعَةُ الْكُبْرَى (لِيَوْمٍ) : أَيْ لِأَجْلِ يَوْمٍ، أَوْ إِلَى يَوْمٍ (يَرْغَبُ) : أَيْ يَحْتَاجُ (إِلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (الْخَلْقُ) : أَيِ الْمُكَلَّفُونَ (كُلُّهُمْ) حِينَ يَقُولُونَ نَفْسِي نَفْسِي (حَتَّى إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَلْقِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى رِفْعَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَفْضِيلِ نَبِيِّنَا عَلَى الْكُلِّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015