2196 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ " قَالَ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: " نَعَمْ " فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " " قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: " نَعَمْ " فَبَكَى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2196 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ» ) ، أَيْ بِالْخُصُوصِ مِنْ بَيْنِ الْأَقْرَانِ (قَالَ: آللَّهُ) بِهَمْزَتَيْنِ الْأُولَى لِلِاسْتِفْهَامِ وَقُلِبَتِ الثَّانِيَةُ أَلِفًا إِبْقَاءً لِلِاسْتِفْهَامِ وَيَجُوزُ تَسْهِيلُهَا وَيَجُوزُ الْحَذْفُ لِلْعِلْمِ بِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الطِّيبِيِّ: آللَّهُ بِالْمَدِّ بِلَا حَذْفٍ وَبِالْحَذْفِ بِلَا مَدٍّ (سَمَّانِي لَكَ؟) ، أَيْ ذَكَرَنِي بِاسْمِي لَكَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْمَقْصُودُ التَّعَجُّبُ إِمَّا هَضْمًا، أَيْ أَنَّى لِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ، وَإِمَّا اسْتِلْذَاذًا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ (قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَقَدْ ذُكِرْتُ) ، أَيْ أَوَقَعَ ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنِّي قَدْ ذُكِرْتُ عَلَى الْخُصُوصِ أَوْ بِهَذَا الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: تَقْرِيرٌ لِلتَّعَجُّبِ (عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟) ، أَيْ مَعَ عَظَمَتِهِ وَحَقَارَتِي، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَعِنْدَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الَّذَّاتِ وَعَظَمَتِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ قُرْبِهِ وَمَزِيدِ رَحْمَتِهِ (قَالَ: نَعَمْ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ) ، أَيْ جَرَى دَمْعُ عَيْنَيْهِ، أَيْ سُرُورًا وَفَرَحًا بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - إِيَّاهُ فِي أَمْرِ الْقِرَاءَةِ أَوْ خَوْفًا مِنَ الْعَجْزِ عَنْ قِيَامِ شُكْرِ تِلْكَ النِّعْمَةِ، وَوَجْهُ تَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَقَرَؤُكُمْ أُبَيُّ» " وَلِمَا قَيَّضَ لَهُ مِنَ الْإِمَامَةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ لِيَأْخُذَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التِّلَاوَةَ كَمَا أَخَذَهُ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِبْرِيلَ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ عَلَى هَذَا النَّمَطِ الْآخَرِ عَنِ الْأَوَّلِ وَالْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَقَدْ أَخَذَ عَنْ أُبَيٍّ بَشَرٌ كَثِيرُونَ مِنَ التَّابِعِينَ، ثُمَّ عَنْهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَهَكَذَا فَسَرَى فِيهِ سِرُّ تِلْكَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ حَتَّى سَرَى سِرُّهُ فِي الْأُمَّةِ إِلَى السَّاعَةِ (وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا» ") قِيلَ: لِأَنَّ فِيهِ قِصَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ أُبَيٌّ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَأَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَلِّمَهُ حَالَهُمْ وَخِطَابَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فَيَتَقَرَّرُ إِيمَانُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَنُبُوَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ تَقَرُّرًا، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُبَيِّنَةٌ لِلْقُرْآنِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَضِيَّةً أُخْرَى، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ جَمَّةٌ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْحُذَّاقِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا الْمَنْقَبَةُ الشَّرِيفَةُ لِأُبَيٍّ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا شَارَكَهُ فِيهَا، وَأَمَّا تَخْصِيصُ قِرَاءَةٍ لَمْ يَكُنْ فَلِأَنَّهَا وَجِيزَةٌ جَامِعَةٌ لِقَوَاعِدَ كَثِيرَةٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَمُهِمَّاتٍ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ، وَكَانَ الْوَقْتُ يَقْتَضِي الِاخْتِصَارَ اهـ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ وَعَلَى الْبَعْضِ إِذْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ عَلَى أُبَيٍّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ (قَالَ: وَسَمَّانِي؟) ، أَيْ لَكَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (قَالَ: نَعَمْ، فَبَكَى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .