2195 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: " اقْرَأْ عَلَيَّ " قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: " إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ " {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] " قَالَ: " حَسْبُكَ الْآنَ " فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

2195 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي) دَلَّ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: اقْرَأْ عَلَيَّ) ، أَيْ حَتَّى أَسْتَمِعَ إِلَيْكَ (قُلْتُ: أَقْرَأُ) ، أَيْ أَأَقْرَأُ (عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ) ، أَيِ الْقُرْآنُ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ يَعْنِي جَرَيَانُ الْحِكْمَةِ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ أَحْلَى، وَكَلَامُ الْمَحْبُوبِ عَلَى لِسَانِ الْحَبِيبِ أَوْلَى، وَهَذَا طَرِيقُ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ، وَالطَّلَبَةُ يَسْتَمِعُونَ مِنْهُمْ وَيَأْخُذُونَ عَنْهُمْ بِالْوَجْهِ الْحَثِيثِ (قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ) ، أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَحْصُلُ لِلْعَارِفِ فِيهِ الْكَلَالُ، كَمَا قِيلَ: مَنْ عَرَفَ اللَّهَ كَلَّ لِسَانُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: كَلِّمِينِي يَا حُمَيْرَاءُ، وَلَهُ حَالٌ أُخْرَى يُقَالُ فِيهَا: مَنْ عَرَفَ اللَّهَ طَالَ لِسَانُهُ (أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي) جَمْعًا بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الِاسْتِمَاعَ أَفْضَلُ، وَلَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلتَّعْلِيمِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَبِهَذَا أَخَذَ الْخَلَفُ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ حَيْثُ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ مِنَ التَّلَامِذَةِ وَالطَّالِبِينِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الضَّبْطِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَهْمِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْأَوَّلُونَ حَيْثُ كَانُوا فِي مَرْتَبَةِ الْأَعْلَى فَكَانُوا يُدْرِكُونَ بِالسَّمَاعِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ وَالنَّصِيبَ الْأَعْلَى، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: " قَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ وَإِنْ كَانَ أُنْزِلَ عَلَيَّ فَإِنِّي أُحِبُّ " مُوهِمٌ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْفَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ بِلَا فَاءٍ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ (فَقَرَأَتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ " فَكَيْفَ ") ، أَيْ يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةُ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ {إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِدٍ} [النساء: 41] ، أَيْ أَحْضَرْنَا مِنْهُمْ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ بِمَا فَعَلُوا وَهُوَ نَبِيُّهُمْ {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ} [النساء: 41] ، أَيْ أُمَّتِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيِ الْمُكَذِّبِينَ (شَهِيدًا، قَالَ: حَسْبُكَ) ، أَيْ كَافِيكَ مَا قَرَأَتَهُ (الْآنَ) ، أَيْ لَا تَقْرَأْ شَيْئًا آخَرَ فَإِنِّي مَشْغُولٌ بِالتَّفْكِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَجَاءَنِي الْبُكَاءُ وَالْحَالَةُ الْمَانِعَةُ مِنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ (فَالْتَفَتُّ) ، أَيْ إِلَيْهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ تَدْمَعَانِ وَتُسِيلَانِ دَمْعًا إِمَّا لِرَحْمَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ، وَإِمَّا خَوْفًا مِنْ ظُهُورِ عَظْمَتِهِ - تَعَالَى - وَجَلَالَتِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَصُعِقَ جَمَاعَاتٌ مِنَ السَّلَفِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَمَاتَ جَمَاعَةٌ بِسَبَبِهَا، وَلِمَا حُكِيَ فِي التِّبْيَانِ عَنْ جَمْعٍ إِنْكَارُ الصِّيَاحِ وَالصَّعْقِ قَالَ: الصَّوَابُ عَدَمُ الْإِنْكَارِ إِلَّا عَلَى مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ تَصَنُّعًا، وَقَالَ فِي الْأَذْكَارِ: فَإِنْ عَزَّ عَلَيْهِ الْبُكَاءُ تَبَاكَى لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ ( «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ وَكَآبَةٍ، فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، وَتَغَنَّوْا بِهِ فَمَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» ) . (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015