718 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَا أَمَرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» ) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

718 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَمَرْتُ) ، مَا: نَافِيَةٌ (بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ) ، أَيْ: بِرَفْعِهَا وَإِعْلَاءِ بِنَائِهَا أَوْ تَجْصِيصِهَا ; لِأَنَّهُمَا زَائِدَانِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) : وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ (لَتُزَخْرِفُنَّهَا) : بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ، وَبِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَهِيَ نُونُ التَّأْكِيدِ، وَالزَّخْرَفَةُ: الزِّينَةُ وَأَصْلُ الزُّخْرُفِ الذَّهَبُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ، وَشَرَحَهُ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي لِتُزَخْرِفُنَّهَا لَامُ التَّعْلِيلِ لِلنَّفْيِ قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى: مَا أَمَرْتُ بِالتَّشْيِيدِ لِيُجْعَلَ ذَرِيعَةً إِلَى الزَّخْرَفَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ فَتْحُ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا جَوَابُ الْقَسَمِ.

قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ الرِّوَايَةُ أَصْلًا، فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مَفْصُولٌ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الشَّيْخِ، (كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى) : وَهَذَا بِدْعَةٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِيهِ مُرَافَقَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَفِي النِّهَايَةِ: الزُّخْرُفُ النُّقُوشُ وَالتَّصَاوِيرُ بِالذَّهَبِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى تُزَخْرِفُ الْمَسَاجِدَ عِنْدَمَا حَرَّفُوا أَمْرَ دِينِهِمْ، وَأَنْتُمْ تَصِيرُونَ إِلَى مِثْلِ حَالِهِمْ فِي الْمَرْآةِ بِالْمَسَاجِدِ وَتَزْيِينِهَا، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ بِالْجَرِيدِ وَعُمُدُهُ خَشَبَ النَّخْلِ، زَادَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ: فَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ وَعُمُدَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَبِالْجَصِّ وَالنَّوْرَةِ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ، قَالَهُ مِيرَكُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَعَلَّقَ أَوَّلَهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ: «ابْنُوا الْمَسَاجِدَ وَاتَّخِذُوهَا جُمًّا» ، وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ شُرَفٌ بِضَمٍّ فَفَتَحٍ جَمْعُ شُرْفَةٍ كَغُرْفَةٍ، وَخَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَانَا أَوْ نُهِينَا أَنْ نُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ مُشْرِفٍ» ، وَخَبَرُ أَبِي نُعَيْمٍ «إِذَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ» ، وَخَبَرُ أَنَسٍ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ» ، وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ: إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ، وَمَرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ بِمَسْجِدٍ مُزَخْرَفٍ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015