عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَمْصَارَ، أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَأَمْرَهُمْ أَنْ لَا يَبْنُوا مَسْجِدَيْنِ يُضَارُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَمِنَ الْمَضَارَّةِ فِعْلُ تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَسْجِدٌ يَسَعُهُمْ، فَإِنْ ضَاقَ سُنَّ تَوْسِعَتُهُ أَوِ اتِّخَاذُ مَسْجِدٍ يَسَعُهُمْ (وَأَنْ يُنَظَّفَ) ، بِإِزَالَةِ النَّتْنِ وَالْعَذِرَاتِ وَالتُّرَابِ (وَيُطَيَّبَ) ، بِالرَّشِّ أَوِ الْعِطْرِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا بِشَيْءٍ آخَرَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ، وَيَتَعَيَّنُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يُطَيَّبَ وَيُنَظَّفَ اهـ.
وَتَقْدِيمُ " يُطَيَّبَ " لَيْسَ بِطَيِّبٍ، لِمُخَالَفَتِهِ الرِّوَايَةَ وَالدِّرَايَةَ الْمُوَافَقَةَ لِلنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) ، قَالَ مِيرَكُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْمِيرُ الْمَسْجِدِ بِالْبَخُورِ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ كَرِهَهُ، فَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُجَمِّرُ الْمَسْجِدَ إِذَا قَعَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ السَّلَفِ تَخْلِيقَ الْمَسْجِدِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالطِّيبِ، وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِعْلَهُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ سُنَّةٌ، وَأَخَرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا بَنَى الْكَعْبَةَ طَلَى حِيطَانَهَا بِالْمِسْكِ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا كَنْسُ الْمَسْجِدِ وَتَنْظِيفُهُ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يَتَتَبَّعُ غُبَارَ الْمَسْجِدِ بِجَرِيدَةٍ» .