صَعُبَتْ عَلَيْهِ وَتَعِبَ فِيهَا غَايَةَ التَّعَبِ، وَافْتَقَرَ إِلَى مُكَابَدَةِ أَعْمَالٍ، وَمُعَاوَنَةِ أَعْوَانٍ، وَمُرُورِ أَزْمَانٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَثِيرًا لَا يَتِمُّ لَهُ مَقْصُودُهُ وَلَا يَظْفَرُ مِنْهُ بِطَائِلٍ، وَشَاهِدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ وَاسْتُقْرِئَ لِأَكْثَرِ طَالِبِي صَنْعَةِ الْكِيمْيَاءِ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَمَّا تَوَهَّمَ بَعْدَ فَنَاءِ عُمْرِهِ وَمَالِهِ فِي مَعْرِفَتِهَا أَنَّهَا صَحَّتْ مَعَهُ أَزْعَجَهُ الْفَرَحُ بِهَا إِلَى أَنْ وَقَعَ مِنْ عُلُوٍّ كَانَ فِيهِ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهُ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ إِصْلَاحَ مُنْكَسِرٍ وَإِعَادَةَ مُنْهَدِمٍ وَعِنْدَهُ عِدَدُ ذَلِكَ وَأُصُولُهُ فَيَهُونُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَيَتِمُّ لَهُ مَقْصُودُهُ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ، فَمَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ الْإِعَادَةَ أَسْهَلُ مِنَ الْبَدَاءَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ إِنْكَارَهُمُ الْإِعَادَةَ بَعْدَ أَنْ أَقَرُّوا بِالْبِدَايَةِ تَكْذِيبٌ مِنْهُمْ لَهُ تَعَالَى، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَعَامِلُهَا قَوْلُهُ (فِي) فَقَوْلُهُ، وَصَاحِبُهَا الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: (وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) أَيِ اخْتَارَهُ سُبْحَانَهُ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عَزِيزٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [الفاتحة: 30 - 32011] وَقَالَتِ الْعَرَبُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ. (وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ) الَّذِي غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى أَحَدٍ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ كَمَا مَرَّ، وَاتِّخَاذُ الْوَلَدِ نَقْصٌ؛ لِاسْتِدْعَائِهِ مُحَالَيْنِ أَحَدُهُمَا: مُمَاثَلَتُهُ لِلْوَلَدِ وَتَمَامُ حَقِيقَتِهِ فَيَلْزَمُ إِمْكَانُهُ وَحُدُوثُهُ، وَثَانِيهِمَا: اسْتِخْلَافُهُ لِخَلَفٍ يَقُومُ بِأَمْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ؛ إِذِ الْغَرَضُ مِنَ التَّوَالُدِ بَقَاءُ النَّوْعِ فَيَلْزَمُ زَوَالُهُ وَفَنَاؤُهُ سُبْحَانَهُ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [مريم: 90] الْآيَةَ. وَالْأَحَدُ: الْمُنْفَرِدُ الْمُطْلَقُ ذَاتًا وَصِفَاتًا، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَحَدِ وَالْوَاحِدِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ لِنَفْيِ مُفْتَتَحِ الْعَدَدِ، وَالْأَحَدُ لِنَفْيِ كُلِّ عَدَدٍ، فَالْوَاحِدُ يُنْبِئُ عَنْ تَفَرُّدِ الذَّاتِ عَنِ الْمِثْلِ وَالنَّظِيرِ، وَالْأَحَدُ يُنْبِئُ عَنْ تَفَرُّدِهَا عَنْ كُلِّ نَقْصِ وَاتِّصَافِهَا بِكُلِّ كَمَالٍ، فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَلَدِ، وَالصَّمَدُ هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُمْ (الَّذِي لَمْ أَلِدْ) : مِنْ قَبِيلِ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ
أَيْ لَمْ أَكُنْ وَالِدًا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْقِدَمَ لَا يَكُونُ مَحَلَّ الْحَادِثِ (وَلَمْ أُولَدْ) أَيْ: وَلَمْ أَكُنْ وَلَدًا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ قِدَمٍ بِلَا ابْتِدَاءٍ كَمَا أَنَّهُ آخِرٌ بِلَا انْتِهَاءٍ (وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا) : بِضَمِّ الْكَافِ وَالْفَاءِ، وَسُكُونِهَا مَعَ الْهَمْزَةِ، وَبِضَمِّهِمَا مَعَ الْوَاوِ - ثَلَاثُ لُغَاتٍ مُتَوَاتِرَاتٍ، يَعْنِي مَثَلًا، وَهُوَ خَبَرُ كَانَ، وَقَوْلُهُ: (أَحَدٌ) : اسْمُهَا، وَنَفْيُ الْكُفْءِ يَعُمُّ الْوَالِدِيَّةَ وَالْوَلَدِيَّةَ وَالزَّوْجِيَّةَ وَغَيْرَهَا.