20 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبْنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ، وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
20 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : مَرَّ ذِكْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) هَذَا حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ أَنَّ الْأَوَّلَ يَكُونُ بِإِلْهَامٍ أَوْ مَنَامٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ بِالْمَعْنَى، فَيَعَبِّرُهُ بِلَفْظِهِ وَيَنْسِبُهُ إِلَى رَبِّهِ، وَالثَّانِي لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِنْزَالِ جِبْرِيلَ بِاللَّفْظِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ أَيْضًا مُتَوَاتِرٌ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ فِي الْفُرُوعِ. (كَذَّبْنِي) بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، أَيْ نَسَبَنِي إِلَى الْكَذِبِ (ابْنُ آدَمَ) أَيْ هَذَا الْجِنْسُ، وَالتَّكْذِيبُ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِ خَبَرِ مُتَكَلِّمٍ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ مَا صَحَّ وَمَا اسْتَقَامَ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي التَّكْذِيبُ لَهُ (وَشَتَمَنِي) : الشَّتْمُ تَوْصِيفُ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ إِزْرَاءٌ وَنَقْصٌ فِيهِ، وَإِثْبَاتُ الْوَلَدِ لَهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ الشَّيْخَ: قَوْلٌ بِمُمَاثِلَةِ الْوَلَدِ فِي تَمَامِ حَقِيقَتِهِ وَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْإِمْكَانِ الْمُتَدَاعِي إِلَى الْحُدُوثِ (وَلَمْ يَكُنْ) لَائِقًا، وَحَقًّا (لَهُ ذَلِكَ) الشَّتْمُ (فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ) : تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَهُ، (فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي) الْإِعَادَةُ هِيَ الْإِيجَادُ بَعْدَ الْعَدَمِ الْمَسْبُوقِ بِالْوُجُودِ، فَالْمَعْنَى لَنْ يُحْيِيَنِي بَعْدَ مَوْتِي (" كَمَا بَدَأَنِي ") أَيْ أَوَجَدَنِي عَنْ عَدَمٍ وَخَلَقَنِي ابْتِدَاءً، أَيْ كَالْحَالَةِ الَّتِي كُنْتُ عَلَيْهَا حِينَ بَدَأَنِي، أَوْ إِعَادَةً مِثْلَ بَدْئِهِ إِيَّايَ، أَوْ لَنْ يُعِيدَنِي مُمَاثِلًا لِمَا بَدَأَنِي عَلَيْهِ، أَوْ لِبَدْئِهِ لِي مِنْ تُرَابٍ أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ لَا يُرِيدُ الْإِعَادَةَ مِنْ أَصْلِهَا، أَوْ إِعَادَةَ الْأَجْسَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ كُفْرٌ وَتَكْذِيبٌ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِعَادَةِ الْجُسْمَانِيَّةِ خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ حَمْقَى {كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] ؛ وَلِذَا رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ لَيْسَ الْخَلْقُ الْأَوَّلُ لِلْمَخْلُوقَاتِ، أَوْ مِنْ قَبِيلِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ أَيْ: لَيْسَ أَوَّلُ خَلْقِ الْخَلْقِ، وَالْخَلْقُ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، أَوِ اللَّامُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ أَوَّلُ خَلْقِ الشَّيْءِ (بِأَهْوَنَ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، مِنْ هَانَ الْأَمْرُ يَهُونُ، إِذَا سَهُلَ أَيْ لَيْسَ أَسْهَلَ (عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ) أَيِ الْمَخْلُوقِ أَوِ الشَّيْءِ، بَلْ هُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي قُدْرَتِي، بَلِ الْإِعَادَةُ أَسْهَلُ عَادَةً؛ لِوُجُودِ أَصْلِ الْبِنْيَةِ وَأَثَرِهَا، أَوْ أَهْوَنُ عَلَى زَعْمِكُمْ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَيْكُمْ، أَوْ أَسْهَلُ عَلَى الْمَخْلُوقِ؛ فَإِنَّ الْعَوْدَ يَكُونُ آنِيًّا بِخِلَافِ الْإِيجَادِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ تَدْرِيجِيًّا، وَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنَ الْآيَةِ {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] ، وَقِيلَ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مِثَالٍ يُرْشِدُ النَّبِيهَ إِلَى فَهْمِ الْحَقِّ وَتَقْرِيرِهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ مَا يُشَاهِدُهُ أَنَّ مَنِ اخْتَرَعَ صَنْعَةً لَمْ يَرَ مِثْلَهَا وَلَمْ يَجِدْ لَهَا أَصْلًا وَلَا مَدَدًا،