ونهاهم عن أربع، عن الحنتم

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ومحمل كلام الطيبي والكرماني والقرطبي أن ذكرهما ليس مقصوداً من الأربع، بل هو جملة معترضة بين الأربع وبين مبينها، ويؤيده رواية البخاري (ج2: ص612) في الأدب: ((أربع وأربع، أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا خمس ما غنمتم ... )) الحديث. ويؤيده أيضاً حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد (ج3: ص23) في قصة وفد عبد القيس من طريق يحيى بن سعيد عن ابن عروبة، وفيه ((آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً)) ، فهذا ليس من الأربع ((وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا من الغنائم الخمس ... )) الحديث. لكن ينافي قولهم ويعارض حديث أبي سعيد هذا رواية البخاري في المغازي بلفظ: ((آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله، وعقد واحدة، وفي فرض الخمس، وعقد بيده)) ، وفي رواية أبي داود: ((وعقد بيده واحدة)) فدلت هذه الروايات أن الشهادة إحدى الأربع، لا يقال: إن العقد كان للإشارة إلى التوحيد؛ لأن المعهود فيها الإشارة بنصب المسبحة دون العقد، والراوي ذكر العقد، وكذا يخالفهم ما في رواية البخاري في أوائل المواقيت ولفظه: ((آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله)) ، ثم فسرها لهم ((شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... )) الحديث، فهذا أيضاً يدل على أنه عدّ الشهادتين من الأربع؛ لأنه أعاد الضمير في قوله ((ثم فسرها)) مؤنثاً فيعود على الأربع، ولو أراد تفسير الإيمان لأعاده مذكراً، لكن يمكن أن يقال: إنه أنّث الضمير نظراً إلى أن المراد بالإيمان الشهادة أو إلى أنه خصلة، وأجيب أيضاً عن الإشكال الثاني بأنه عدّ الصلاة والزكاة واحدة؛ لأنها قرينتها في كتاب الله، وتكون الرابعة أداء الخمس، وقيل: أداء الخمس داخل في عموم إيتاء الزكاة فلم يعده مستقلاً. والجامع بينهما أنهما إخراج مال معين في حال دون حال، هذا، وما ذكرناه في توضيح الإشكال ورفعه يوافق حديث جبريل ومذهب السلف في الإيمان من كون الأعمال داخلة في حقيقته، فإنه قد فسر الإسلام في حديث جبريل بما فسر به الإيمان في قصة وفد عبد القيس، فدل هذا على أن الأشياء المذكورة – وفيها أداء الخمس – من أجزاء الإيمان، وأنه لابد في الإيمان من الأعمال خلافاً للمرجئة. قال الحافظ معتذراً عن عدم ذكر الحج في الحديث: إنما أخبرهم ببعض الأوامر؛ لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنة، فاقتصر لهم على ما يمكنهم فعله في الحال، ولم يقصد إعلامهم بجميع الأحكام التي تجب عليهم فعلاً وتركاً، ويدل على ذلك اقتصاره في المناهي على الانتباذ في الأوعية مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم من الانتباذ، لكن اقتصر عليها لكثرة تعاطيهم لها – انتهى. (ونهاهم عن أربع) أي خصال (عن الحنتم) بدل من قوله عن أربع بإعادة الجار، وهو من إطلاق المحل وإرادة الحال أي ما في الحنتم ونحوه، وصرح بالمراد في رواية للنسائي فقال: ((وأنهاكم عن أربع ما ينتبذ في الحنتم ... )) الحديث، والحنتم – بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح المثناة من فوق -: هي الجرة مطلقاً، وقيل: خضراء، وقيل: حمراء، أعناقها من جنوبها يجلب فيها الخمر من مضر، وقيل: من الطائف، وقيل: هي جرار تعمل من طين ودم وشعر، أقوال للصحابة وغيرهم، ولعلهم كانوا ينتبذون في ذلك كله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015