قالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة،

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وإذا أفردت لم يجز إلا الغدوات، وقيل: هو جمع ندمان بمعنى نادم من الندامة كما حكى القزاز والجوهري وغيرهما من أهل اللغة. وعلى هذا يكون الجمع على الأصل ولا يكون من باب الاتباع، والمعنى: ما كانوا بالإتيان إلينا خاسرين خائبين؛ لأنهم أسلموا طوعاً من غير حرب أو سبي يخزيهم ويفضحهم. (قالوا: يا رسول الله) فيه دليل على أنهم كانوا حين المقابلة مسلمين، وكذا في قولهم "كفار مضر" وفي قولهم "الله ورسوله أعلم". (لا نستطيع أن نأتيك) أي في جميع الأزمنة (إلا في الشهر الحرام) المراد به الجنس، فيشمل الأربعة الحرم، ويؤيده رواية البخاري في المغازي بلفظ (إلا في أشهر الحرم) ، وفي المناقب (إلا في كل شهر حرام) ، وقيل: اللام للعهد، والمراد شهر رجب، وفي رواية للبيهقي التصريح به، وكانت مضر تبالغ في تعظيم شهر رجب، فلهذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة عند البخاري حيث قال: ((رجب مضر)) ، والظاهر أنهم يخصونه بمزيد التعظيم مع تحريمهم القتال في الأشهر الثلاثة الأخرى إلا أنهم ربما أنسوها بخلافه، وإنما قالوا ذلك اعتذاراً عن عدم الإتيان إليه - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الوقت؛ لأن الجاهلية كانوا يحاربون بعضهم بعضاً، ويكفون في الأشهر الحرم تعظيماً لها وتسهيلاً على زوار البيت الحرام من الحروب والغارات الواقعة منهم في غيرها، ومن ثم كان يمكن مجيء هؤلاء إليه – عليه الصلاة والسلام – فيها دون ما عداها، قال الحافظ: وفيه دليل على تقدم إسلام عبد القيس على قبائل مضر الذين كانوا بينهم وبين المدينة، ويدل على سبقهم إلى الإسلام أيضاً ما رواه البخاري في الجمعة عن ابن عباس قال: إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد عبد القيس بجواثي من البحرين، وإنما جمعوا بعد رجوع وفدهم إليهم، فدل على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الإسلام – انتهى. واحفظه فإنه ينفعك في مسألة الجمعة في القرى. (وبيننا وبينك هذا الحي) الجملة حال من فاعل نأتيك، أو بيان لوجه عدم الاستطاعة، والحي: هو اسم لمنْزل القبيلة ثم سميت القبيلة به اتساعاً لأن بعضهم يحيى ببعض (من كفار مضر) كلمة من للبيان، ومضر هو ابن نزار بن معد بن عدنان، فهو أخو ربيعة أبي عبد القيس (بأمر فصل) الفصل بمعنى الفاصل كالعدل بمعنى العادل، أي يفصل بين الحق والباطل، أو بمعنى المفصل المبين المكشوف، حكاه الطيبي، وقال الخطابي: الفصل هو الواضح البيّن الذي ينفصل به المراد ولا يشكل، وقيل: المحكم، والأمر بمعنى الشأن، واحد الأمور، والباء صلة والمراد به معنى اللفظ ومورده، وقيل: الأمر واحد الأوامر أي القول الطالب للفعل والباء للاستعانة، والمراد به اللفظ والمأمور به محذوف، أي مرنا بعمل بقولك آمنوا أو قولوا آمنا كذا في المرقاة. (نخبر) بالرفع على أنه صفة ثانية لأمر أو استئناف، وبالجزم على أنه جواب الأمر (من وراءنا) بفتح الميم، والهمزة موصولة أي من استقروا خلفنا (وندخل) برفع اللام وجزمها عطفاً على نخبر الموجه بوجهين (به) أي بسبب قبول أمرك والعمل به (الجنة) هذا لا ينافي قوله - صلى الله عليه وسلم - ((لن يدخل الجنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015