قال: قل: آمنت بالله، ثم استقم)) ، رواه مسلم.
16- (15) وعن طلحة بن عبيد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لهذا؛ لأنه إذا لم يسأل أحداً بعد سؤاله لم يسأل غيره، وبهذا يظهر وجه أولوية الأول يجعله أصلاً والثاني رواية خلافاً لما فعل النووي في أربعينه، قاله القاري، (قل آمنت بالله) أي جدد إيمانك بالله ذكراً بقلبك ونطقاً بلسانك وعملاً بمقتضاه بجوارحك، وفي رواية ((قل ربي الله)) أي وحد ربك، وأراد به التوحيد الكامل الذي يحرم صاحبه على النار، هو تحقيق معنى لا إله إلا الله، فإن الإله هو المعبود الذي يطاع فلا يعصى خشية وإجلالاً ومهابة ومحبة ورجاءً وتوكلاً ودعاءً، والمعاصي كلها قادحة في هذا التوحيد؛ لأنها إجابة لداعي الهوى، وهو الشيطان، وعلى رواية الكتاب المعنى أظهر، فإن الإيمان يدخل فيه الأعمال الصالحة عند السلف ومن تابعهم من أهل الحديث (ثم استقم) الاستقامة: هي سلوك الطريق المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنه ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك، فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها، فالحديث من جوامع الكلم الشامل لأصول الإسلام: التوحيد والطاعة، وهو مطابق لقوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} [41: 30] أي لم يحيدوا عن التوحيد، والتزموا طاعته سبحانه إلى أن توفوا على ذلك، وهو معنى الحديث، ولا يخفى مناسبة الحديث لكتاب الإيمان، فإن يدل على وجوب امتثال الطاعات والانتهاء عن المعاصي، ففيه رد على المرجئة (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن حبان في صحيحه.
16- قوله: (وعن طلحة بن عبيد الله) بن عثمان التيمي القرشي المدني، يكنى أبامحمد، يجتمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأب السابع كأبي بكر، أحد العشرة وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، والخمسة الذين أسلموا على يد الصديق، والستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ، شهد المشاهد كلها غير بدر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه مع سعيد بن زيد يتعرفان خبر العير التي كانت لقريش مع أبي سفيان، ثم رجعاً إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدر، وقد ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمه، وآجره فيها وأبلى يوم أحد بلاءً شديداً، ووقى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده فشلت، وجرح يومئذٍ أربعة وعشرين جراحة، وقيل خمساً وسبعين جراحة بين طعنة وضربة ورمية، وكان أبوبكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك يوم كله لطلحة، وروى من وجوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: طلحة ممن قضى نحبه، وروي أيضاً أنه نظر إليه فقال: من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة، وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - ((طلحة خير)) ، و ((طلحة الفياض)) و ((طلحة الجواد)) ، له ثمانية وثلاثون حديثاً، اتفقا منها على حديث، وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثلاثة، وقال القسطلاني: له في البخاري أربعة أحاديث، استشهد يوم الجمل، أتاه سهم غرب لا يدرى من رماه واتهم به مروان، لعشر خلون من جمادى الأولى سنة (36) عن (64) سنة، وقيل (63) ، وقيل غير ذلك، ودفن بالبصرة، وقال ابن قتيبة: دفن بقنطرة قرة ثم رأته بنته بعد ثلاثين سنة في المنام أنه يشكر إليها النداوة، فأمرت