ومن أهل بحج فليتم حجه ". قالت: فحضت، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة،

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وموافقيهما في أن المعتمر المتمتع إذا كان معه هدي لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر. ومذهب مالك والشافعي وموافقيهما أنه إذا طاف وسعى وحلق حل من عمرته وحل له كل شيء في الحال سواء كان ساق هديًا أم لا. واحتجوا بالقياس على من لم يسق الهدي وبأنه تحلل من نسكه فوجب أن يحل له كل شيء كما لو تحلل المحرم بالحج، وأجابوا عن هذه الرواية بأنها مختصرة من الروايات التي ذكرها مسلم بعدها والتي ذكرها قبلها عن عائشة قالت: ((خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا ")) . فهذه الرواية مفسرة للمحذوف من الرواية التي احتج بها أبو حنيفة وتقديرها ((ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهلل بالحج ولا يحل حتى ينحر هديه)) ولا بد من هذا التأويل لأن القضية واحدة، والراوي أي المخرج وهو عائشة واحد، فيتعين الجمع بين الروايتين على ما ذكرناه، والله أعلم - انتهى. وقد اتضح بهذا وبما ذكرنا قبل ذلك من كلام الولي العراقي أن السبب في بقاء المعتمر الذي ساق الهدي على إحرامه عند الشافعية والمالكية هو إدخال الحج على العمرة لا مجرد سوق الهدي، واستدلوا لذلك برواية معمر ومن وافقه عن الزهري عن عائشة عن عروة عن عائشة، وعند الحنفية والحنابلة مدار الحكم هو مجرد سوق الهدي ومستندهم رواية عقيل عن الزهري، والراجح عندنا هو قول الحنابلة ومن وافقهم لتظافر الروايات الصحيحة الصريحة بذلك، والله أعلم (ومن أهل بحج فليتم حجه) هذا بظاهره يقتضي أنه ما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة مع أن الصحيح الثابت برواية أربعة عشر من الصحابة هو أنه أمر لمن لم يسق الهدي بفسخ الحج وجعله عمرة فحينئذٍ لا بد من حمل هذا الحديث على من ساق الهدي، والأمر بالفسخ لمن لم يسق الهدي فلا منافاة، قاله السندي في حاشية مسلم. وقد ذكرنا في شرح حديث عائشة المتقدم في باب الإحرام والتلبية أن قوله ((من أهل بحج)) معناه أي وأهدى فليتم حجه لئلا يخالف هذا الحديث لأحاديث فسخ الحج إلى العمرة (قالت: فحضت) أي بسرف قبل دخول مكة كما صح عنها، واتفقوا على أن ابتداء حيضها كان بسرف وذلك يوم السبت لثلاث خلون من ذي الحجة، واختلفوا في موضع طهرها، وسيأتي بيان الاختلاف فيه (ولم أطف بالبيت) أي للعمرة، لأن الطهارة شرط للطواف أو واجب، ولأن الطواف في المسجد والحائض ممنوع من الدخول فيه (ولا بين الصفا والمروة) أي ولم أسع بينهما. قال الطيبي: قوله: ((ولا بين الصفا والمروة)) عطف على المنفي قبله على تقدير ((ولم أسع)) نحو ((علفتها تبنًا وماءً باردًا)) ويجوز أن يقدر ((ولم أطف)) على المجاز لما في الحديث ((وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط)) وإنما ذهب إلى التقدير دون الانسحاب لئلا يلزم استعمال اللفظ الواحد حقيقة ومجازًا في حالة واحدة - انتهى. أي لأن حقيقة الطواف الشرعي لم توجد لأنها الطواف بالبيت، وأجيب أيضًا بأنه سمى السعي طوافًا على حقيقته اللغوية، فالطواف لغة المشي قاله الزرقاني. وإنما لم تسع عائشة بين الصفا والمروة لأنه لا يصح السعي إلا بعد الطواف وإلا فالحيض لا يمنع السعي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015