ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان استشعاره أمرًا خفيًا ضبط بفعل ظاهر مذكر له منبه للنفس عليه - انتهى. قال الزرقاني: وهذا الجواب أي ما قاله الطبري وابن القيم والأسنوي في وجه التسمية بمحسر وفي حكمة الإسراع فيه مبني على قول الأصح خلافه، وهو أن أصحاب الفيل لم يدخلوا الحرم وإنما أهلكوا قرب أوله. وقال القاري: المرجح عند غير هؤلاء أنهم لم يدخلوه، وإنما أصابهم العذاب قبيل الحرم قرب عرفة فلم ينج منهم إلا واحد أخبر من ورائهم (ثم سلك الطريق الوسطي) وهي غير طريق ذهابه إلى عرفات، وذلك كان بطريق ضب، وهذا طريق المازمين وهما جبلان. قال النووي: فيه أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة، وهو غير الطريق الذي ذهب فيه إلى عرفات. وهذا معنى قول أصحابنا يذهب إلى عرفات في طريق ضب، ويرجع في طريق المازمين ليخالف الطريق تفاؤلاً بغير الحال كما فعل - صلى الله عليه وسلم - في دخول مكة حين دخلها من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى، وخرج إلى العيد في طريق ورجع في طريق آخر، وحول ردائه في الاستسقاء (التي تخرج) وفي رواية النسائي وأبي داود والدارمي وابن ماجة وابن الجارود والبيهقي ((التي تخرجك)) (على الجمرة الكبرى) قال النووي: الجمرة الكبرى هي العقبة وهي الجمرة التي عند الشجرة (حتى أتى) عطف على سلك أي حتى وصل (الجمرة التي عند الشجرة) أي جمرة العقبة، هذا يدل على أنه كان إذ ذاك هناك شجرة (فرماها) أي ضحى كما في رواية. أعلم أنه ذكر الغزالي في الإحياء ما يدل على أن رمى الجمار أمري تعبدي والعقل والنفس معزولان فيه كغالب أعمال الحجاج، وهو الذي صرح به العارفون في كتبهم، وربما يفهم منه أنه غير معقول المعنى، وليس إلا التعبد والتشبه بإبراهيم عليه السلام فقط. قال الزبيدي متعقبًا على كلام الغزالي: وهو ليس على ظاهره، فإن رمى الجمار اعتبار لأهله في سياقه غموض ودقة، ثم ذكره على سبيل الإجمال. من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى شرح الإحياء وقال الشاه ولى الله الدهلوي: والسر في رمى الجمار ما ورد في نفس الحديث من أنه إنما جعل لإقامة ذكر الله عز وجل، وتفصيله أن أحسن أنواع توقيت الذكر وأكملها وأجمعها لوجوه التوقيت أن يوقت بزمان وبمكان ويقام معه ما يكون حافظًا لعدده محققًا لوجوده على رؤوس الأشهاد حيث لا يخفى شيء، وذكر الله نوعان يقصد به الإعلان بانقياده لدين الله، والأصل فيه اختيار مجامع الناس دون الإكثار، ومنه الرمي، ولذلك لم يؤمر بالإكثار هناك، ونوع يقصد به انصباغ النفس بالتطلع للجبروت، وفيه الإكثار، وأيضًا ورد في الأخبار ما يقتضى أنه سنة سنها إبراهيم عليه السلام حين طرد الشيطان، ففي حكاية مثل هذا الفعل تنبيه للنفس أي تنبيه - انتهى. قال النووي: في حديث أن السنة للحاج إذا دفع من مزدلفة فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة ولا يفعل شيئاً قبل رميها، ويكون ذلك قبل نزوله. وأما حكم الرمي فالمشروع منه يوم النحر رمى جمرة العقبة لا غير بإجماع المسلمين وهو نسك بإجماعهم. ومذهبنا أنه