وأصول، ونحو، وبيان، وغيرها، من خيرة أساتذتها فى ذلك الوقت، وفى هذا الطور من حياته كان متأثرا إلى حد كبير بآراء جدّه فى إنكاره على الصوفية إنكارا شديدا، تعصبا لعلوم الفقهاء، وقد ذكر ذلك فى كتابه «لطائف المنن» إذ يقول: «وكنت أنا لأمره- أى لأمر أبى العباس المرسى- من المنكرين، وعليه من المعترضين، حتى جرت مقابلة بينى وبين أصحابه، وذلك قبل صحبتى إيّاه، وقلت لذلك الرجل: ليس إلّا أهل العلم الظاهر، وهؤلاء القوم- أى المتصوفون- يدّعون أمورا عظيمة، وظاهر الشرع يأباها» .
ويبدأ الطور الثانى من حياته سنة 674 هـ عند التقائه بأبى العباس المرسى واصطحابه له، وينتهى بارتحاله إلى القاهرة، وفى هذا الطور نلاحظ زوال إنكاره للصوفية حين لقى أستاذه المرسى، إذ أعجب به إعجابا كبيرا، وأخذ عنه طريق الصوفية، وقد كان السبب فى تحوّله الواضح من الإنكار الشديد إلى التصوف أنه أحسّ بأزمة نفسية شديدة، خشى معها أن يكون منكرا على الشيخ أبى العباس المرسى من غير حق، وفى ذلك يقول: «وكان سبب اجتماعى به (بأبى العباس) أن قلت لنفسى بعد أن جرت المخاصمة بينى وبين ذلك الرجل: دعنى أذهب أنظر إلى هذا الرجل، فصاحب الحق له أمارات، ولا يخفى شأنه. فأتيت إلى مجلسه فوجدته يتكلم فى الأنفاس التى أمر الشارع بها، وعلمت أن الرجل إنما يغترف من فيض إلهى، فأذهب الله ما كان عندى» .
ومما هو جدير بالذكر أن ابن عطاء الله لم ينقطع عن طلب العلم بسلوكه طريق الصوفية، وإنما ظل يطلب هذه العلوم بتوجيه شيخه له، فقد ظن فى بادئ الأمر أنه لن يستطيع أن يسلك طريق طريق الصوفية إلّا إذا انقطع عن اشتغاله بهذه العلوم، وتفرغ بالكلية لصحبة شيخه. ويذكر ابن عطاء الله كيف كان أبو العباس المرسى يرسم لكل واحد من تلاميذه طريقا خاصّا فيقول: «ودخلت أنا عليه- أى على أبى العباس المرسى- وفى نفسى ترك الاشتغال بالعلم الظاهر، فقال لى من غير أن أبدى له شيئا: صحبنى بقوص إنسان يقال له ابن ناشئ،