وإلّا قصدتُ المَوصل وأخربتها ونزلتُ بغداد، وأين ما كنت قَصَدتُك. وقيل: إنَّ ابن هُبيرة كان يُنْشئ كلَّ يومٍ مكاتباتٍ على لسان مَنْ بهَمَذَان من الأُمراء، ويعطيها للرِّكابية فيوصلونها إليهم بأَلطف حيلة بأنها قد وردتنا من هَمَذَان، وكُتُب من الأُمراء الذين مع محمد إلى ملك شاه فيوصلونها إليهم، حتى بلغ من أمره أنه أعطى ركابيًّا كُتُبًا، وقال له: اجعلها في ثيابك، واقْرُبْ من عبيدهم، واخلعْ ثيابك، ودعْها على جانب دِجْلة، واسبحْ إلى الجانب الشَّرقي. فَفَعَلَ، وجاء أصحابُ محمد فرأوا الثِّياب فقالوا: قد غَرِق صاحِبُها، نَزَلَ يسبح وبقيتْ هذه. ففتَّشوها، فظهرت الكتب، فحملوها إلى محمد شاه وهي من ملك شاه إلى أُمراء محمد شاه يقول: اعبروا إلى الجانب الشَّرقي في اليوم الفلاني، فأنا واصِل، وأمسكوا محمد شاه. فقال محمد شاه: وأين الذي كانت معه هذه الكتب؟ فقالوا: غرق وبقيت ثيابه. فتخيَّل من أُمرائه، فرحل.

وفيها قدم بغداد ابنُ الخُجَندي الفقيه، ومعه العالم الحنفي صاحب "التعليقة"، وخَرَجَ الموكب للقائهما.

وفيها قدم أبو الوقت بغداد، وأَسمَعَ البخاري عن الدَّاوودي، وألحقَ الصِّغار بالكبار.

وفيها كانت زلازلُ عظيمةٌ بالشَّام وحلب وحماة وشَيزَر وفامية وكَفرطاب والمعرَّة وحمص وأنطاكية وطرابُلس ودمشق وجميع العواصم، وهلك خَلْقٌ كثير حتى روي أَنَّ معلِّمًا كان بحماة في كُتَّابٍ، فقام من المكتب يقضي حاجة ثم عاد، وقد وقع المكتب على الصِّبيان، فماتوا بأَسْرهم، [وأعجب من هذا أنَّه لم] (?) يأتِ أحدٌ يسأل عن صبيِّ كان له في المكتب. ووقعت أبراجُ القِلاع بحلب وغيرها، وهَلَكَ جميعُ من في شَيزَر إلا امرأةً واحدة وخادمًا، وساخت (?) قلعةُ فامية، وانشقَّ تل حَرَّان نصفين، وظهر فيه بيوتٌ وعمائر [و] نواوشى (?)، وانشقَّ في اللاذقية موضع، فظهر فيه صَنَمٌ قائمٌ في الماء، وخَرِبَتْ صيدا وبيروت وطرابُلُس وعكَّا وصور، وجميعُ قِلاع الفرنج، فقال الصَّالح بن رُزِّيك يعرِّضُ بما نال أهلَ الشَّام والفرنج: [من الخفيف]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015