وكان الخلفاء والملوك يحترمونه، وعمَّر طويلًا، وخدم بني بويه إلى هُلمَّ جرًا.
وكانت وفاته في ذي القعدة عن خمس وتسعين سنة، وهو صحيح البدن، سليم الحواس، مستقيم الأحوال، ودُفن بمقبرة باب التبن، وكان قد حفر قبره قبل موته بخمسين سنة.
أبو سعيد، المتولِّي، وُلدَ سنة سبع وعشرين وأربع مئة، ودرس بالنظامية موضع أبي إسحاق، ودرس الأصول مدة، ثم قال: الفروع أسلم. وكان فاضلًا شجاعًا فصيحًا.
تُوفِّي ليلةَ الجمعة ثامن عشر شوال، وصلَّى عليه أبو بكر الشامي، ودُفِنَ بمقبرة باب أبرز.
إمام الحرمين، أبو المعالي، الجُوَيني، وجُوَين قرية من قرى نيسابور، ولد سنة سبع عشرة وأربع مئة، وتفقَّه في صباه على والده وله دون العشرين سنة، فأقعده مكانه للتدريس، فأقام الدرس، وسمع الحديث الكثير بالبلاد، وحجَّ وجاور أربع سنين، ثم عاد إلى نيسابور، فجلس يُدرِّس موضع أبيه ثلاثين سنة، وإليه المنبر والمحراب والخطابة، ويجلس للوعظ يوم الجمعة، وكان يحضر درسه في كلِّ يوم نحوٌ من ثلاث مئة فقيه، وتخرَّج به جماعةٌ من الأكابر، ودرَّسوا في حياته، وصنَّف "نهاية المطلب".
وكان أبو إسحاق يقول له: أنت إمام الأئمة.
وكان ابن الجويني قد بالغ في علم الكلام، وصنَّف الكتب الكثيرة، كـ "الإرشاد" وغيره، وقال: ركبتُ البحر الأعظم، وغُصتُ في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنتُ أهرب في سالف الدهر من التقلُّب، والآن فقد رجعتُ إلى كلمة الحق: عليكم بدين العجائز، فإن لم يتداركني الحقُّ بلطيف بِرِّه، وإلَّا فالويلُ لابن الجويني.