حضرة السلطان؛ جهَّزهما إلى أخيهما المتملِّك الأمر بعد أبيهما، واسمه أَلْب أرسلان، وقرَّر (?) السلطان أمورهم، وكان بأصبهان، وقد عزم على قصد العراق.
[وفيها تُوفِّي]
أبو الطيب، الطبري، القاضي، الشافعي، ولد سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة بآمُل، وتفقَّه بخراسان والعراق، وابتدأ بدرس الفقه والعلم وله أربعة عشر سنة، فلم يُخِلَّ به يومًا واحدًا حتى مات، وولي القضاء بربع الكَرْخ [بعد موت الصَّيمري. وذكره أبو إسحاق الشيرازي في "طبقات الفقهاء" (?) وأثنى عليه، وقال]: وكان حسن الخُلق، دفع إلى خفَّافٍ خُفًّا ليصلحه، فكان يمرُّ عليه فيتقاضاه، فإذا رآه الخفَّاف أخذ الخُفَّ وغمسه في الماء وقال: الساعةَ أُصلحه. فلمَّا طال عليه ذلك مرَّ به يومًا، فأخذ الخُفَّ وغمسه في الماء على العادة، فقال له [أبو الطيب]: يا هذا، إنما دفعتُه إليك لتُصلِحه لا لتُعلِّمه السباحة.
[قال الخطيب]: وتُوفِّي يوم السبت لعشر بَقِين من ربيع الأول، وصلَّى [عليه] أبو الحسين بن المهتدي بجامع المنصور، [وحضرتُ الصلاة عليه]، ودفن بباب حرب، وقد بلغ [من السنِّ] مئة سنة وستين سنة، وهو صحيح العقل، ثابت الفهم، سليم الأعضاء والسمع والبصر، على رسمه في الجدال والنظر يقضي، ويفتي إلى حين وفاته، وكان يقول: رأيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقال لي: يا فقيه. وكان يفرح بذلك، ويقول: سمَّاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفقيه.
وقال الخطيب: أنشدني أبو الطيب لنفسه: [من البسيط]
ما زلتُ أطلبُ علمَ الفقهِ مُصطبرًا ... على الشدائدِ حتى أُعقَبَ الظَّفَرا
فكان ما كان من درسٍ ومن سهرٍ ... في عُظْمِ ما نِلْتُ في عُقباهُ مُغتَفَرا