وكانت وفاة هلال في رمضان ببغداد، وكان قد سمع قبل أن يسلم جماعة من النُّحاة وتأدَّب بهم، منهم: أبو علي الفارسيّ، وعلي بن عيسى الرُّمَّاني، وغيرهما. وقد ذكره ولده غرس النعمة في "تاريخه" فقال في خطبة الكتاب: وبعد، فكان والدي وصَّى إليَّ لما أحسَّ بقدوم الوفاة، ويئس من أيام الحياة، ولمعَتْ له لوامع المنية، وقرعت سمعَه قوارعُ البلية؛ رغبةً في زيادة الذكر ونمائه وانتشاره وبقائه، بصلة كتاب التاريخ الذي ألَّفه إلى آخر سنة سبع وأربعين وأربع مئة تأليفًا يعجز عنه من يروم مثلَه، يفتضح فيه من يتعاطى فضله، إذ هو السحر الحلال، والعذب الزلال، والصادر عن أوْحَدِ دهره، وفريدِ عصره، وشَرَع فيه وقد أتَتْ عليه سنة جرَّب فيها الأمور ومارسها وخبرها ولابسها، وأنا عارٍ من جميع صفاته، وخالٍ من سائر سِماته: [ومن البسيط]
وابنُ اللَّبون إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ ... لم يستطِعْ صولةَ البُزْلِ القناعيسِ (?)
لكنَّ قوله مستمَعٌ، ومرسومَه متَّبعٌ، وأمرَه مطاع، ورأيَه غيرُ مُضاع.
ثم إنه قال في سنة ثمان وأربعين وأربع مئة: وفي يوم الأربعاء سادس عشر رمضان تُوفِّي والدي الرئيس أبو الحسين هلال بن المُحسِّن بن إبراهيم بن هلال، ومولده يوم الأحد النصف من شوال سنة تسع وخمسين وثلاث مئة، فانتقض السُّؤدَدُ بمصابه، وانثلم الفضلُ بذهابه، فهو كما قيل: [من البسيط]
لا أُمَّ للموتِ كم يُبلي بجِدَّتِهِ ... في كل يومٍ حكيمًا ما لَهُ خلَفُ
أصابَ قصدًا هلَالًا في تكامُلهِ ... وبحرُ منطقِهِ ما ليسَ يُغتَرَفُ
لم يُبلِهِ الدهرُ ما دامَتْ بدائِعُهُ ... تُطوى على جَمْعِها الأخبارُ والصُّحفُ
وأَنشد أَيضًا: [من البسيط]
ماتَ البديعُ وغارَتْ دُرَّةُ الفَطِنِ ... واستدرجَ الموتُ بحرَ الفضلِ في كفنِ
للهِ دَرُّ المنايا ما صنعْنَ به ... وما تضمنتِ الأكفانُ من بدنِ