إلى الكوفة، ودُفن عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - في تُربةٍ عُمّرت له هناك، وكُتب على قبره في مَلْبَنٍ من ساج: هذا قبر عضد الدولة وتاج الملَّة أبي شجاع بن ركن الدولة، أحبَّ مُجاورةَ هذا الإمام التقي؛ طمعًا في الخلاص يوم تجيءُ كلُّ نفسٍ تُجادلُ عن نفسها، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعِترتِه الطَّاهرة.
ولما مات عضد الدولة اجتمع جماعةٌ من الأكابر وكانوا عشرة، فقال الأول: أيها الملك، كيف غَفَلْتَ عن كَيْد هذا الأمر حتى نَفِذ فيك، وهلَّا اتَّخذْتَ دونه جُنَّةً تَقيك، إن فيك عِبرةً للمُعتَبرِين وآية للمُسْتَبصرين،
وقال الثاني: مَن استيقظ للدنيا فهذا نومُه، ومَن حَلَم فيها فهذا انتباهُه.
وقال الثالث: لقد وَرِث هذه الدنيا بغير إرث، وأعطاها فوق قيمتها، وطلب الرِّبْحَ فيها فخَسِر روحَه.
وقال الرابع: ما رأيتُ غافلًا في غفلته، ولا عاقلًا في عقله مثلَه.
وقال الخامس: مَن جدَّ للدنيا هَزَلَتْ به، ومن هَزَل بها جَدَّت له.
وقال السادس: ترك الدنيا شاغرة، ورحل منها بغير زاد ولا راحلة.
وقال السابع: إن ماءً أطفأ هذه النار لَعَظيم، وإن ريحًا زَعْزَعَتْ هذا الرُّكن لَعاصف.
وقال الثامن: إنما سَلَبَك مَن قَدَر عليك.
وقال التاسع: لو كان مُعْتَبِرًا في حياته لما صار عِبرةً في مماته.
وقال العاشر: الصَّاعد في دَرَجاتها إلى سَفال، والنَّازلُ في دَرَكاتها إلى مَعال.
قال المصنف رحمه الله: بين كلام هؤلاء وأولئك المتقدمين المتكلِّمين على تابوت الإسكندر كما بين المَلِكَين في المساواة.
[وفيها توفي]
أبو بكر، الحَريري، المعدَّل (?)، البغدادي، ويُعرف بزوج الحُرَّة.