ولكن أُعرِّفُ السيدة، ثم دخلَت عليها وأظهرت الانكسار، فقالت: ما لكِ؟ فقالت: عبدُكِ يوسف يريد أن يُطَهِّر غدًا ابنَه، وهيَّأ أسبابَه وقال: كنتُ أحبُّ أن أتشَرَّف بما لم يحصل لغيري؛ ليُعلَمَ مكاني من الخليفة، قالت: وما هو؟ قالت: عاريةُ القرية ليتجمَّلَ بها وَيرُدَّها من الغد، فقالت: هذا شيءٌ عَملَه الخليفةُ لنفسه، كيف يَحسُنُ أن يُرى في دار غيره؟ وكيف يحسُن أن يقال: إن الخليفة استعار منه بعضُ خَدَمه شيئًا ثم استردَّه؟ هذا فضيحةٌ.
ثم قامت فدخلت عليه، فقام قائمًا، وعانقها، وقبَّل رأسَها، وأجلسها معه في دَسْته -وهذه كانت عادتُه معها- وقال لها: يا ستِّي -وهكذا كان يُخاطبها- ليس هذا من أوقات تفضُّلِك وزيارتك، فحدَّثَتْه ساعةً، ثم التفتَتْ إلى نظم وقالت: متى عَزَم يوسف على تطهير ابنه؟ فقالت: غدًا، فقال الخليفة: إن كان يحتاجُ إلى شيء آخر أمرتُ له به، فقالت: قد اكتفى، ولكن يسأل القرية عاريةً ليتجمَّلَ بها ثم يَردُّها. فقال: يا ستِّي هذه ظَريفة، يستعيرُ خادمٌ لنا منَّا شيئًا وتكونين أنت شفيعُه، فنُعيرُه، ثمَّ نرجع نأخذُه منه؟ ! هذا من عمل العوام لا الخلفاء، إذا كان محلُّه ما أوجب تَجَشُّمَك وزيارتك في غير أوقات الزِّيارة فقد وَهَبتُ له القرية.
فخرجت نظم فأخبرته فقال: أمَّا الطَّعام فعندي شيءٌ كثير (?)، وأخذ القرية، وبلغ المقتدر فقال: يُحمَل إليه قيمةُ الطعام، فكانت قيمتُه ألفًا وخمس مئة دينار، فحُمِلت إليه.
وقال الصُّولي (?): كان المقتدرُ يُفرِّق يوم عرفة ثلاثين ألف رأسٍ من البقر، ومن الإبل عشرة آلاف، ومن الغنَم خمسين ألفًا، ويقال: إنَّه أَتْلَف من المال ثلاثين ألف ألف دينار.