وقال: خوفُ القطيعة أذابَ نفوسَ المحبِّين، وأحرق أكبادَ العارفين، وأسهر ليالي العابدين، وأَظْمأ نهارَ الزَّاهدين، وأكثرَ بكاء الباكين.
وقال: الأُنسُ بالخلق وَحْشةٌ، والطُّمأنينة إليهم عَجْزٌ، والاعتمادُ عليهم وَهْنٌ، والثقةُ بهم خِذلان، وإذا أراد الله بعبد خيرًا جعل أُنْسَه به، وتوكُّلَه عليه، وصان سرَّه عن النَّظَر إليهم، وظاهرَه عن الاعتماد عليهم.
وقال: مَن أسكن قلبَه شيئًا من أمور الدنيا فقد قتل نفسَه بسيف الطَّمع، ومَن طَمِع في شيءٍ ذَلَّ له، وذُلُّه يُهلكُه وأنشد: [من الطويل]
أتَطْمَعُ في ليلى وتعلمُ أنَّما ... تُقَطِّعُ أعناقَ الرجالِ المَطامعُ
قال السُّلمي: مات أبو الحسين قبل العشرين وثلاث مئة.
أبو عبد الله، البَلْخيّ، الزَّاهد (?).
ولم يكن أبو عُثمان الحِيريّ يَميل إلى أحدٍ مَيلَه إليه، وكان يقول: لو وَجَدتُ من نفسي قُوَّةً لرَحَلْتُ إلى أخي محمَّد بن الفضل ليرتاح سِرِّي برؤيته، فإنه سِمْسار الرِّجال (?).
قال: ما خَطوتُ أربعين سنةً خُطوةً لغير الله، وما نظرتُ أربعين سنةً في شيء فاستحسنتُه حياءً من الله تعالى، وما أمليتُ على مَلَكَيَّ منذ ثلاثين سنةً خَطيئةً، ولو فعلتُ ذلك لاستحيَيتُ منهما.
وقال: العَجَبُ لمَن يقطعُ الأوديةَ والمَفاوزَ ليصلَ إلى البيت والحَرَم الذي فيه آثارُ الأنبياء، كيف لا يَقطعُ نفسَه عن هواها حتى يصلَ إلى قلبه فيشاهدَ فيه آثار مولاه؟ ! فمات أربعة نَفَرٍ ممَّن سمعوا كلامَه.